طرق استثمار الوقف عند الفقهاء:
بالنظر في طرق استثمار الوقف عند الفقهاء نجد أنها جميعاً تلتقي عند قدر مشترك وهو الإجارة، على انها قد تأخذ أشكالاً مختلفة عند بعضهم.
وعلى كل حال فإن غلبة الإجارة على غيرها من العقود يرجع إلى أن الوقف هو تحبيس العين وتسبيل المنفعة والعقد الذي يرد على المنفعة هو الإجارة التي يعرفها الفقهاء بأنها: عقد على المنافع بعوض (?) ، كما أن العرف الذي ساد في زمنهم هو استثمار الوقف عن طريق الإجارة، لأن الوقوف التي كانت تقصد للمنفعة كان غالبها عقاراً أو منقولاً متصلاً بالعقار، أما المنقولات الموقوفة الأخرى فقد كان ينتفع بها بشكل مباشر: الفأس والقدوم لاستعمالهما في حفر المقابر، والجنائز لنقل الموتى، والخيل والأدرع للجهاد.. وهكذا.
ولأن الغالب في زمنهم كان الاستثمار عن طريق الإجارة، فقد استغربوا لما أفتاهم محمد بن عبد الله الأنصاري من أصحاب زفر بجواز وقف الدراهم والدنانير، والمكيل الموزون، وكان مصدر استغرابهم أن هذه الأشياء لا يمكن إجارتها، ولهذا أسرعوا فسألوه، وكيف نصنع بالدراهم؟ فأجابهم: تدفعونها مضاربة وتتصدقون بربحها، وتبيعون المكيل والموزون بالدراهم وتتاجرون فيه بالمضاربة ثم تتصدقون بالربح (?)
من إجابة هذا الفقيه الفطن ندرك أن استثمار المال الموقوف والانتفاع به أوسع من الإجارة، وأنه يتنوع بحسب طبيعة المال الموقوف، وبحسب أعراف الناس وطرقهم في استثمار أموالهم، وهو موضوع محل بحثه المبحث الثالث –إن شاء الله- بعد الفراغ من الحديث عن طرق الفقهاء في استثمار الوقف بحسب الصفة التي جاءت عليها في الفقه، والتي نتناولها على التفصيل الآتي:
1- الإجارة:
الإجارة كطريق من طرق استثمار الوقف تناولها الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها من المذاهب كما سلفت الإشارة – والناظر في أحكامها عندهم يجد أنها متقاربة، حيث يلتقون جميعاً في التركيز على مراعاة مصلحة الوقف، وإن اختلف تقدير تلك المصلحة من مذهب إلى آخر، فالحنفية يرون أن تكون مدة الإجارة سنة في الدار وثلاث سنين في الأرض الزراعية كما يفتون بإبطال الإجارة لمدة طويلة، إلا إذا حملت عليها حاجة لعمارة الوقف بحيث لم يتأت تعميره إلا عن طريقها، وفي حالة الإجارة الطويلة هذه اختار بعضهم أن تكون العقود مترادفة كل عقد على سنة (?) .