* * *
ملاحظات
1 - هذه المحاولة الأولى في حقبتنا المعاصرة لتقديم تفسير لـ (تاريخنا الحضاري) إذ أنه كان خاضعًا لتفسير يقوم على المركزية الغربية.
وقد استطاع الغرب أن يجعل نفسه مركز التاريخ بأن جعل حركة التاريخ، يحكمها بُعدٌ واحدٌ هو بُعد الامتداد الزمني الذي حدد بدايته وجعل امتداده معيارًا للتقدم، فكل حقبة تلت ما قبلها هي أكثر تقدمًا!!! وبالتالي فإن القرن العشرين هو الأكثر تقدمًا في كل التاريخ البشري، وهم في القمة في هذا القرن؛ فهم في قمة التاريخ الحضاري!.
2 - وهذه المحاولة - محاولتنا - تقول: إن التاريخ له بُعدان أو محوران، بُعد الامتداد الزمني وبتحديد مختلف عما حدده الغرب، وبُعد أو محور هو معيار الارتقاء والتقدم؛ وحركة التاريخ الحضاري داخل هذين المحورين تحدد في شكل رسم بياني قد لا يعطي صفة الارتقاء والتقدم لكل زمن منها، وقد يكون لها من الفضل - إن لم يزد - عن المتأخرين.
3 - وهذه المحاولة تقول: إن التاريخ الإنساني وصل إلى قمة الارتقاء والتقدم بكمال التوحيد وتمامه، فيتخذ من إكمال الدين وإتمام النعمة واختتام النبوة بداية لمرحلة استقلال العقل مع حفظ المكانة لتلك المرحلة التي قادها الأنبياء والرسل - بدعوة التوحيد: خير ما قلت أنا والأنبياء من قبلي كلمة ((لا إله إلا الله))
وكان ختامها على يد محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن تلا قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ويومها أعلن انتهاء النسيء والتلاعب بالأشهر واستدارة الزمان كيوم أن خلق الله السماوات والأرض.
4 - وهذه المحاولة توضِّح أن حركة التاريخ الحضاري لأمتنا داخل هذين المحورين قد وصلت إلى القمة بكمال الدين وتمامه، واختتام النبوة، وإن ما اعتراها من نقص فيما بعد إنما هو نقص قياسًا إلى القمة التي قصرت عنها، لا قياسًا إلى الإطار التاريخي العام، وهذا يمكن من نقد تاريخي موضوعي لحركة التاريخ الحضاري لأمتنا، وذلك بالمقارنة النسبية لحقب تاريخنا العربي الإسلامي بلحظة الكمال (ك) وما بعد الكمال (ب ك) ، ومقارنة هذه الحُقَب بتاريخ العالم، التي تحدث وسط الزمان الممتد؛ مع تمكيننا من نقد الذات دون تلذذ بإيذائها! ومواجهة ما حدث من نقص لأمور الحكم والمال والاجتماع؛ تمهيدًا لتصحيحها.
5 - وهذه المحاولة توضح أن النقص الذي اعترى استمرارية التجربة الكاملة - وهو نقص بدأ بعد كمال - لم يعنِ التدهور منذ أول يوم، بل استمرت مع النقص إلى أن وصلنا إلى نقطة علا فيها معدل النقص على القوة؛ فظهر التدهور.