ونقف الآن عند معنى الشهادة بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم النبيين والرسل:
فإن إعلان انتهاء نظام النبوة والرسالة هو الإيذان بأن الإنسانية قد بلغت سن الرشد، مرحلة تحمل الأعباء.
فيوم أن اكتمل الدين باختتام الرسالة التي بلغها محمد صلى الله عليه وسلم كانت البشرية قد امتحنت كل طاقاتها وصهرت معدنها، بدءًا بالخطيئة الأولى والتوبة منها، ومرورًا بمعركة هابيل وقابيل، وتجربة كل جيل من بعدهم أو كل قرن أو قوم، وما عرفوا من أمر ما سبقهم إليه جيل أو قرن أو قوم من قبل! تمامًا كما يحدث مع ابنك الصغير؛ يكون جنينًا ويمر في خلقه بأطوار، ويأتي عليه حين من الدهر لا يكون شيئًا مذكورًا، ثم طفلًا، حتى يتعلم الأسماء كلها!، ويبدأ بعد ذلك في دخول مرحلة التفكير والجدل ومسؤولية الاختيار، ويواجه التجربة، ويخوض المعركة، وحتى إذا ما اشتد عوده وبلغ رشده، تكون النصيحة الخاتمة، وعليه أن يشق طريقه، خيره له وشره عليه!.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم هو كلمة السماء الأخيرة إلى الإنسانية الراشدة، وكان العقل بعد ذلك، وبفضل ذلك، قد أصبح حرًا مختارًا، يتوجه بهدي القرآن الذي هو شرعة محدودة ومنهاج مفتوح.
وإن العقل هو الذي يدرك الحق والعدل والخير العام.
إن العقل قد يخطئ، ولكنه قادر على أن يدرك الخطأ ويصحح الخطأ، والنصوص لا تلزم الإنسان إلا بمقدار ما يعقلها الإنسان، ومن هنا كانت تلك القاعدة التي تقول: (بناء أصول الدين في العقائد، وحكمة التشريع، على إدراك العقول لها واستبانتها لما فيها من الحق والعدل ومصالح العباد) ، على أن المعتقدات أمر ذاتي نفسي، ولا تتصور إلا هكذا، وكون الإنسان مؤمنًا أو غير مؤمن لا يدركه حقيقة إلا الإنسان، وإلا الخالق جل وعلا، ومن أجل هذا ترك أمر المعتقدات وأمر العبادات إلى الاجتهادات الشخصية التي يقوم بها الإنسان بنفسه لنفسه!.