والإيمان بكلمة (لا إله إلا الله) ينعكس (روحيًّا - أخلاقيًّا، ونفسيًّا - اجتماعيًّا) في صورة قيمتين أساسيتين هما: الحرية والمساواة، بما لهما من آثار في المجال الاقتصادي والسياسي.
وقد انعكست كلمة (لا إله إلا الله) عند علي كرم الله وجهه في قوله: (لا تكن عبدًا لغير الله) ، وفي الأثر: (لا تكن عبدًا لغير الحق، فإن عبد الحق حر)
، كما انعكست كلمة (لا إله إلا الله) عند عمر رضي الله عنه في قولته المشهورة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ... ) ، فهي حرية لي وللآخرين.
والعبودية هي تهيئة الإنسان لما يصلح له من قيام بأمانة الخلافة والتعمير، فهي تحرير الإنسان من الخضوع أو التبعية لأي شيء! ولأي شخص.
وهذه التهيئة تؤكد، كما يؤكد هذا التحرير، أن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأن إخوته من عباد الله مستخلفون في الأرض.
وهذه التهيئة، وهذا التشديد على الإنسان باعتباره خليفة الله في أرضه وأكرم خلقه وأفضلهم، هي - وهو - ما أهل الإنسان للقيام بدور أداء الرسالة التي اؤتمن عليها في التعمير ...
ويتلاقى مع كل هذا، مفهوم تسخير الكون للإنسان، والتسخير سوق الشيء إلى الغرض المقصود منه قهرًا (قارن العبادة، باعتبارها تهيئة الإنسان للقيام بالغرض المقصود منه اختيارًا!!) .
وكون هذا الكون مسخرًا للإنسان - سواء بمعنى كون الكون مسخرًا ومنقادًا للمسخر له (أو للإنسان) ، أو بمعنى كون الكون مسخرًا بحيث يكون سببًا لحصول ما ينفع للإنسان متى علم السنن واستخدامها - يؤكد تحرير الإنسان من المخاوف الطبيعية، ويقتضيه إقامة نظره على التفكر والتعقل والعلم بنواميس الكون.
كما أنه يلتقي مع ما تقدم من مفاهيم التوحيد والعبودية لله، بما تعنيه من حرية الإنسان وحرية الآخرين، كما يلتقي مع استخلاف الإنسان واستخلاف الآخرين، والكون أيضًا مسخر له ولأخوته الآخرين، وليس الآخرون مسخرين! بل هو وهم شركاء في المائدة التي سخرها الله، فلابد من كفالة حق الجميع في حد الكفاية - وهو غير حد الكفاف - وعدل وتضامن وتكامل وتراحم ...