الصورة الثالثة – بيع الدين الحال للمدين بثمن حال:
10 – لقد فرق الفقهاء في هذه الصورة بين حالتين، حالة ما إذا كان الدين مستقرًا، وحالة ما إذا كان غير مستقر.
الحالة الأولى: فإن كان الدين مستقرًا، كغرامة المتلف، وبدل القرض، وقيمة المغصوب، وبدل الخلع، وثمن المبيع، والأجرة بعد استيفاء المنفعة، والمهر بعد الدخول، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى جواز بيعه من المدين بثمن حال (?) .
واحتجوا على ذلك:
أ- بما ورى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي والدارقطني وغيرهم عن ابن عمر، رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني أبيع الإبل بالنقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء)) (?) . قالوا: فهذا ابن عمر يأخذ الدنانير مكان الدراهم، والدراهم مكان الدنانير، وهو بيع لأحدهما بالآخر، ويقره النبي صلى الله عليه وسلم، على ذلك، فكان ذلك دليلاً على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر إذا كان المشتري هو المدين، وكان الثمن حالاً، وإذا جاز بيع أحد النقدين بالآخر جاز بيع غيرهما مما يثبت في الذمة من باب أولى.
ب- وأن ما في ذمة المدين مقبوض له، فإذا دفع ثمنه للدائن كان ذلك بيع مقبوض بمقبوض، وهو جائز شرعًا.
11- واشترط ابن تيمية وابن القيم – وهو قول الإمام أحمد – لصحة ذلك الاعتياض أن يكون بسعر يومه (?) لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات حديث ابن عمر: ((لا بأس إذا كان بسعر يومه إذا افترقتما وليس بينكما شيء)) (?) . حيث شرط النبي، عليه الصلاة والسلام، لصحة الاعتياض عن الدين أن يكون بسعر يومه، أي بثمن المثل أو دونه، لا أكثر منه، لئلا يربح الدائن فيما لم يضمن، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ربح ما لم يضمن (?) . وما ذهب إليه الشيخان ابن تيمية وابن القيم قول وجيه، وفقه في المسألة سديد.
12- واستثنى جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة من قولهم بجواز بيع الدين من المدين بثمن حال بدل الصرف ورأس مال السلم، فلم يجيزوا بيع أي منهما للمدين قبل قبضه، لأن في ذلك تفويتا ًلشرط الصحة، وهو القبض في بدلي الصرف ورأس مال السلم قبل الافتراق (?) .