وورد لفظ (الدين) في السنة المشرفة بمعنى الدين الشامل لحقوق الله تعالى وحقوق العباد المتعلقة بالذمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب الرجل الذي سأله عن قضاء صوم شهر عن أمه المتوفاة: ((نعم، فدين الله أحق أن يقضى)) (?) ؛ وورد مثله في الحج حيث قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)) (?) ؛ وورد فيه بمعنى الدين الخاص بالمال الذي ثبت في ذمة شخص لشخص آخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم حينما أتي بجنازة: ((هل عليه من دين)) ؟ قالوا: نعم (?) ، وفي رواية قالوا: ثلاثة دنانير، فقال أبو قتادة: وعلي دينه (?) .

وأما الفقهاء فقد أطلقوا الدين على معنيين: معنى عام، ومعنى خاص.

أحدهما: إطلاق عام على كل ما يجب في ذمة الإنسان بأي سبب من الأسباب، سواء كان من حقوق الله تعالى، أو من حقوق العباد؛ وقد رأينا أنه بهذا المعنى قد ورد في السنة المشرفة أيضًا، ذكر الحافظ ابن حجر أن لفظ الدين يشمل كل حق ثبت في ذمة الشخص من حج وكفارة ونذر، وزكاة ونحوها (?) . فعلى هذا يمكن تقسيم الدين إلى نوعين: دين الله تعالى، ودين الآدمي.

والثاني: إطلاقه على ما يثبت في ذمة الإنسان بسبب عقد، أو استهلاك، أو استقراض، أو تحمل التزام، أو قرابة ومصاهرة (?) .

ولا يخفى أن هذا المعنى أخص من المعنى الأول؛ إذ هو خاص بما ثبت من حقوق العباد في ذمة المدين، ومقابله العين، والعمل، والنفس، قال الكاساني: "إن المكفول به أربعة أنواع: عين، ودين، ونفس، وفعل ليس بدين ولا عين ولا نفس " (?) ، فعلى ضوء هذا يقسم محل الالتزامات إلى هذه الأنواع الأربعة، ولكننا لو دققنا النظر فيه لأمكن إرجاع الجميع إلى الدين والعين، إذًا الفعل الملتزم به داخل في الدين ما دمنا نحن فسرناه بما ثبت في الذمة، لا بالمال فقط، وكذلك الالتزام بإحضار نفس راجع إلى الحق المتعلق بالعين (?) .

ويقابل هذين المصطلحين الشرعيين مصطلحان في القانون المدني هما: الحق الشخصي، والحق العيني؛ فالحق الشخصي – ويسمى الالتزام أيضًا -: هو رابطة بين شخصين دائن ومدين، بمقتضاها يطالب الدائن المدين بإعطاء شيء، أي بنقل ملكية شيءٍ أو القيام بعمل، أو بالامتناع عن عمل. وأما الحق العيني: فهو سلطة يمنحها القانون لشخص على عين بالذات (?) ، ونحن لسنا بصدد الخوض في تفاصيل هذه المسألة، إذ أن بحثنا معقود لبيان الديون المالية (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015