أ- أن معظم شعوب هذه الدول قد تخلت في العصر الحديث عن الدين، ولم يبق له عندهم أي سلطان على حياة الناس العقدية والعملية، وإنما بقيت المحافظة على الكنائس في تلك الدول مظهرا لا أثر له في الفكر ولا في السلوك، ولم تعد الكنائس قادرة على مواجهة التيار الإلحادي الهادر، الذي يأتي على كل أثر من آثار التدين، وقد يكون استبقاء هذه الكنائس لأغراض سياسية، فإنها من وسائل نفوذهم في الشعوب التي يسعون إلى غزوها بأفكارهم وتخديرها بمكرهم.

وهذا هو الذي سجله الكتاب الأوروبيون بأقلامهم؛ ودونكم شهادة شاهد من أنفسهم، يقول الأستاذ (جود) - الذي كان رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن -: "سألت عشرين طالبا وتلميذة كلهم في أوائل العقد الثاني من أعمارهم: كم منهم مسيحي بأي معنى من معاني الكلمة؟ فلم يجب بنعم إلا ثلاثة فقط، وقال سبعة منهم: إنهم لم يفكروا في هذه المسألة أبدا، أما العشرة الباقية فقد صرحوا أنهم معادون للمسيحية. ويضيف إلى ذلك الأستاذ جود قوله: أنا أرى أن هذه النسبة بين من يؤمن بالمسيحية ويدين بها، وبين من لا يؤمن في هذه البلاد ليست شاذة ولا غريبة، نعم إذا وجه هذا السؤال إلى مثل هذه الجماعة قبل خمسين سنة أو عشرين كانت الأجوبة مختلفة". (?) ، هذه شهادة من أحد أبناء جلدتهم، وهو غير خارج عن ملتهم ولا مفارق لهم في بيئتهم، وقد قرر في كلامه أن هذه الأجوبة من أولئك التلاميذ إنما كانت ناشئة من حال مجتمعهم، ولم تكن مجرد تصرف صبياني، كيف وهو يقول بأن هذه النسبة في تلك البلاد ليس شاذة ولا غريبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015