ومثله حكم المجتمع الكتابي الذي لم ينغمس في الإباحية والإلحاد، كما يدل عليه حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عند الشيخين قال: ((دلي جراب من شحم من قصر خيبر فدنوت لآخذه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلي)) فإنه بالقطع لم يكن معلوماً عين من ذبحه، ولكن بما أنه بين اليهود الكتابيين عد في حكم ما ذبحه أهل الكتاب، وفي هذا تيسير للناس إذ الحكم إنما هو للأكثر الغالب؛ ولكن الإمام النووى نص على خلافه، حيث قال: "لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها، فإن كان في بلد فيه من لا تحل ذكاته كالمجوس، لم تحل سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين؛ للشك في الذكاة المبيحة والأصل التحريم، وإن لم يكن فيه أحد منهم حلت " (?) .
ويستفاد منه أن وجود واحد من هذا الصنف في مجتمع أغلبه مسلمون أوكتابيون كاف في تحريم ما لم يعرف ذابحه، ولا يخفى ما فيه من التشديد، وهو يؤدي إلى حرج عظيم، وإن كان مبنيا على الأصل وهو حرمة اللحوم ما لم تثبت تذكيتها ,إلا أن هذا الأصل مدفوع بأصل آخر، وهو أن ما وجد في بلاد الإسلام محمول على موافقة الشريعة الإسلامية.
على أن الأخذ بما ذهب إليه النووي يؤدي إلى تحريم أن يتزوج أحد في بلد له فيها محارم مجهولة بالنسب أو الصهر أو الرضاع، ما لم يتيقن أن التي تزوجها ليست من محارمه، فإن الأبضاع الأصل فيها الحرمة ما لم يثبت حلها؛ إلا أننا نجد من العلماء من نص على أن جهل النسب لا يؤدي إلى حرمة الزواج ما لم يتبين موجبها, (?) وهو الأيسر والأرفق بالناس.