واستدل ابن حزم لمنع ذلك بثلاثة أدلة:

أولها: أن الله تعالى حرم أكل لحم الحيوان إلا بعد تذكيته، إذ قال عز وجل بعد تعداد المحرمات: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وحرم الاعتداء في الأموال بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)) (?) ، ولا يشك مسلم أن المسروق والمغصوب إن ذبح أو نحر لا يكون ذبحه ونحره حقا، وإنما هو باطل، والباطل لا يتوصل به إلى حل ما حرم، على أن الذكاة المشروعة حق مأمور به طاعة لله، والاعتداء على مال الغير معصية لأمره تعالى والمعصية لا تنوب عن الطاعة، ولئن كانت الفروج المحرمة لا تحل إلا بالعقد المأمور به لا بالعقد المحرم، فكيف يباح الحيوان المحرم بالفعل المحرم؟ وما الفرق بين تصيد المُحْرِم للصيد المُحَرَّم، وبين ذبح المتعدي لما حرم عليه ذبحه؟ ثانيها: ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق رافع بن خديج رضي الله عنه قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُكفئن ثم عدل عشرا من الغنم بجزور)) (?) ، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليأمر بإكفاء ما في القدور لوكان حلال الأكل لأنه نهى عن إضاعة المال، وإنما يدل ذلك يقيناً أنه حرام محض، وأن ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان ولا يبيح الأكل لأنها غنائم لم تقسم.

ثالثها: ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، فأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال ((إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة)) ، شك أبو الأحوص - رواية عن عاصم- في أيتهما قال عليه السلام، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بمنع أولئك من أكل اللحم وإنما أفسده إذ خلطه بالتراب حتى لا ينتفع به آكل، ولو من ملاك الغنم أنفسهم (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015