ومرض الموت لا ينافي الأهلية وذلك لعدم منافاة المرض المخوف لفهم الخطاب التشريعي، ولهذا صح نكاح المريض عند جمهور الفقهاء وطلاقه وإسلامه وعتقه. وتنعقد جميع التصرفات التي تنشئها. ولكن نظرًا لكون مرض الموت سببًا لتعلق حق الوارث والغريم (الدائن) بالمال كان من أسباب حجر المريض عن التبرعات: وهو في حق الوارث ما زاد عن الثلث (لأن من حق الشخص أن يوصي بثلث ماله) . وأما في حق الغريم الدائن فجميع المال إن كان الدين مستغرقًا لماله كله، وبما يفي الدين إن لم يكن مستغرقًا.
ولا يؤثر المرض في الحجر على المريض فيما لا يتعلق به حق الوارث والغريم كما يقول الدكتور نزيه حماد. وله أن يصرف ماله فيما يتعلق به حاجة أصلية للمريض كالنفقة وأجرة الطبيب وأجرة المسكن، والنكاح بمهر المثل على الراجح من أقوال الفقهاء.
ثم قال: (وما ذكرنا من أن المريض مرض الموت يعتبر محجورًا عليه حجرًا جزئيًا يمنع نفاذ تصرفاته الضارة بحقوق دائنيه أو ورثته هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، خلافًا لابن حزم الظاهري الذي اعتبر المريض كالصحيح في تصرفاته كلها دون أي فرق… على أن تعلق حقوق هؤلاء (أي الورثة والدائنين) بسبب المرض لا يمنع أن يكون للمريض حق في ماله. لذلك اعتبر حق المريض في حاجاته الأصلية ومصالحه الضرورية مقدمًا في ماله على حقوق غيره من دائنين وورثة، فله أن ينفق من ماله أثناء مرضه على نفسه وعلى من تجب عليه نفقتهم بالمعروف من طعام وشراب وملبس ومسكن وأجرة طبيب وثمن دواء ونحو ذلك، لأن نفقة الإنسان حال حياته مقدمة في ماله على سداد ديونه دفعًا لهلاكه وحفظًا لكرامته. وأيضًا فإن من حقه أن يعقد العقود ويجرى التصرفات المالية، وتكون صحيحة ونافذة إن لم تمس بحقوق الدائنين والورثة. وليس لأحد منهم حق الاعتراض عليه أو منعه لأن من حق المريض تنمية ماله وتكثيره) .
وبما أن المصاب بفيروس الإيدز يمر بمراحل متعددة، ويكون في فترة الكمون وكأنه لا مرض به على الإطلاق. ثم عند بداية ظهور الأعراض الأولية، وحتى عند ظهور مرض الغدد اللمفاوية المنتشر، فإن حالة هذا الشخص تعتبر عادية ولا تدخل في حالة مرض الموت. فإذا ما وصل إلى ظهور الأمراض الانتهازية والأورام الخبيثة وانخفضت الخلايا اللمفاوية من نوع T4 (Cعز وجل4) إلى 400 فما دونها، فإنه يكون آنذاك قد دخل في مرحلة المرض المخوف المؤدي إلى الموت… ولم يسجل الطب أن شخصًا وصل إلى هذه المرحلة شفي منها قط. بل يسير حثيثًا إلى نهايته المحتومة.. ولذا فإن مرض الموت ينطبق عليه تمام الانطباق.