وقد اختلف العلماء في علة الربا في الذهب والفضة وسأقتصر على أهم آرائهم في هذا الشأن.
أولا: قال بعض العلماء: إن علة ربا الفضل في الذهب والفضة هي الوزن مع اتفاق الجنس، وأما ربا النسيئة فعلته هي أحد وصفي علة ربا الفضل؛ الوزن، أو اتحاد الجنس وهو مذهب الحنفية (?) ، وأحمد في أشهر الروايات عنه والزهري، وحماد والثوري والنخعي، وإسحاق (?) .
وعلى هذا القول يحرم كل موزون بيع بجنسه إذا كان متفاضلا، فالذهب بالذهب متفاضلا ربا. ويشترط لصحته التساوي في الوزن والحلول، والتقابض. وعلى هذا يجري الربا في كل موزون كالحديد والنحاس والرصاص ونحوها من الموزونات.
ثانيا: إن علة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية الغالبة، أو جوهر الثمنية غالبا؛ وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن مالك (?) .
ويعبر الشافعية عن ذلك بكونهما جنس الأثمان غالبا؛ وذكروا جنس الأثمان ليشمل التبر والمضروب، والحلي، والأواني الذهبية والفضية، وإن لم تكن ثمنا. وقالوا غالبا: احترازا من الفلوس إذا راجت رواج النقود (?) .ومنهم من يعبر عن العلة بكونهما قيم المتلفات، ومنهم من جمعهما (?) .وهذه علة قاصرة لا تتعدى إلى غيرهما. وقال النووي: (وفي تعدي الحكم إلى الفلوس إذا راجت وجه، والصحيح: أنه لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالبة) (?) .
ثالثا: إن علة الربا في الذهب والفضة هي مطلق الثمنية. وهو قول للإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وقول في مذهب الإمام مالك في غير المشهور عنه، وقول يحيى بن سعيد، والليث بن سعد، وهو اختيار أبي الخطاب من الحنابلة، والشيخ موفق الدين بن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم (?) .
ذكر أكثر الباحثين المعاصرين أن للإمام أحمد ثلاث روايات في علة الربا في الذهب والفضة؛ وهي: الوزن والجنس، والثمنية، ومطلق الثمنية، والثمنية الغالبة أو جوهر الثمنية، على اختلاف التعبير بينهم.