فبإتقان لغة القرآن وإدراك أسرارها والوقوف على وجوه تصرفات القول فيها يتأتى النظر والتدبر لنصوص التشريع من الكتاب والسنة، وبمعرفة مواقع الإجماع والناسخ والمنسوخ وشرائط القياس يهتدى إلى استجلاء الأحكام، وبالرجوع إلى القواعد الأصولية والقواعد العامة الفقهية وبالاهتداء إلى ما تعلل به الأحكام من مصالح وما تقتضيه التشريعات من مقاصد يتوصل إلى الحكم فيما لا نص فيه ولا قياس ولا إجماع، وذلك بالاستناد إلى المصالح المرسلة وبمراعاة الكليات الشرعية بأنواعها من ضرورية وحاجية وتحسينية. وهو ما يضطلع به في هذا العصر أهل العلم والدراية من الفقهاء الجلة السادة النجباء الذين يجمعون بين الحفاظ على الدين وعلى شريعة الإسلام، الأمانة التي حملوها وهم عن قريب محاسبون عليها ومسؤولون عنها، وبين النظر في المشاكل المستعصية والقضايا المستغلقة يخضعونها لقواعد الشرع وهديه، ويعالجونها معالجة حكيمة، تحفظ لشريعة الإسلام سماتها البارزة في الشمول والخلود والصلاحية لكل زمان ومكان وحال.
وإن فيما يقول به أعضاء هذا المجمع الأكارم، والمشاركون في جهوده العلمية وبحوثه الفقهية من السادة العلماء وكبار الفقهاء والمتخصصين المبرزين من الخبراء في مختلف الفنون والعلوم الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، وفيما أتوه من سعة علم ومعرفة بالثوابت والمتغيرات، وترصد للتطورات وما يناسبها ويناسب الأحوال المختلفات من أحكام شرعية وفتاوى فقهية تضبط، ومصالح معتبرة ترعى وتقصد، وما يجعل منهج عمل هذا المجمع، بإذن الله، راشدا قويما، والصفوة الكريمة من الفقهاء والعلماء المنتسبين إليه مهتدين بهدي الأئمة السابقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين (كانوا ألين الأئمة قلوبا وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأحسنها بيانا، وأصدقها إيمانا، وأعمها نصيحة) جازاهم الله عن الإسلام خيرا، وعن عطاءاتهم وجهودهم العظيمة مثوبة وأجرا.
وإنه ليسعدني في ختام هذه الكلمة أن أجدد الشكر الجزيل والثناء الجميل لسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولولي عهده سمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان ولوزير التعليم العالي سمو الشيخ نهيان بن المبارك آل نهيان، ولمعالي الوزير أحمد خليفة السويدي، ولمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي، ولوكيل الوزارة سعادة الدكتور محمد بن جمعة بن سالم، ولكافة أعضاء الحكومة ورجال الدولة، ولمعالي الدكتور عز الدين إبراهيم مدير مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية بأبو ظبي، على ما لقيناه من كرم الوفادة وحسن الضيافة، ومن تشجيع وتيسير لإقامة هذه الدورة المجمعية بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.