ومثال الحال الثانية: لو قلد رجل أبا حنيفة في الزواج بلا ولي، فيستلزم العقد صحة إيقاع الطلاق؛ لأن صحة الطلاق لازم لصحة الزواج إجماعًا، فلو طلقها ثلاثا، ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق، لكون عقد الزواج بلا ولي (?) ، فليس له ذلك، لكونه رجوعا عن التقليد في أمر لازم إجماعا (?) .
وأرى أن القول بهذا أمر حتمي؛ لأنه يحتاط في قضايا الأنساب أكثر مما يحتاط في غيرها، وإلا ترتب عليه أن تكون العلاقة السابقة علاقة محرمة، وأن الأولاد أولاد زنى. وينبغي سد كل باب يؤدي إلى مثل هذا التحايل في كل أمر خطير كالزواج مثلا، أو في كل ما يتوصل به إلى العبث بالدين، أو الإضرار بالبشر، أو الفساد في الأرض.
وأما في مجال العبادات والتكاليف التي لم يجعل الله بها حرجا على عباده، فلا يكون التلفيق ممنوعا، ولو استلزم الرجوع عما عمل به أو عن أمر لازم لآخر إجماعا، ما لم يفض إلى الانحلال من ربقة التكاليف الشرعية، أو إلى الذهاب بالحكمة الشرعية باتباع الحيل التي تغاير الشريعة أو تضيع مقاصدها.
حكم التلفيق في التكاليف الشرعية:
تبين مما سبق أن مجال التلفيق هو في الفروع الاجتهادية الشرعية الظنية، أي المختلف فيها، أما في العقائد والإيمان والأخلاق وكل ما علم من الدين بالضرورة، فليس داخلا في التلفيق؛ لأنه لا يجوز فيها التقليد اتفاقا، بل وليست مجالا للاجتهاد، حتى تكون محلًّا للخلاف الذي يبنى عليه التقليد والتلفيق
وحيث إن التلفيق يتأتى في المسائل الفرعية، فليزم تفصيل الحكم فيها.
تنقسم الفروع الشرعية إلى ثلاثة أنواع (?) :
الأول – ما بني في الشريعة على اليسر والسماحة، مع اختلافه باختلاف أحوال المكلفين.
الثاني – ما بني على الورع والاحتياط.
الثالث – ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم.