وقال الكمال بن الهمام في التحرير، وتابعه تلميذه ابن أمير الحاج (?) : إن المقلد له أن يقلد من شاء، وإن أخذ العامي (أي غير المجتهد) في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه، لا أدري ما يمنعه من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتتبع ما هو الأخف عليه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرائع ذمه عليه ((وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته.))
وأما أن الإمامين اتفقا على بطلان عمل الملفق: فهذا قول لا تنهض به حجة، فإن المقلد لم يقلد كلًّا منهما في مجموع عمله، وإنما قلد كلًّا منهما في مسألة معينة غير التي قلد فيها غيره، ولا حرج في هذا، ومجموع العمل لم يوجب أحد النظر إليه، لا في اجتهاد ولا في تقليد، وإنما هو اختراع لحكم شرعي ممن ليس أهلا للقول به، ولله سبحانه خطابه، ولكل خطاب أثره.
جاء في تنقيح الحامدية لابن عابدين: ما يدل على أن في مُنْيَةِ المفتي ما يفيد جواز الحكم المركب، وأن الشيخ الطرسوسي مشى على الجواز، كذلك أفتى العلامة أبو السعود في فتاويه بالجواز، وجزم العلامة ابن نجيم في رسالته (في بيع الوقف بغبن فاحش) بأن المذهب جواز التلفيق، ونقل الجواز عن الفتاوى البزازية.
وصحح الجواز ابن عرفة المالكي في حاشيته على الشرح الكبير، وأفتى العلامة العدوي وغيره بالجواز؛ لأنه فسحة (?) .
وذهب الجمهور، ومنهم بعض الشافعية إلى أن الإجماع المنقول بالآحاد، كهذا الإجماع المدعى هنا، لا يوجب العمل، لأن الإجماع قطعي، فيتطلب في نقله مستندا مناسبا له.
هذا فضلا عن أن دعوى الإجماع ممنوعة، فقد حكى الثقات الخلاف، كالفهامة الأمير والفاضل البيجوري. قال الشفشاوني في تركيب مسألة من مذهبين أو أكثر: إن الأصوليين اختلفوا في هذه المسألة، والصحيح من وجهة النظر جوازه.
والخلاصة: إن دين الله يسر، لا عسر، وإن القول بجواز التلفيق من باب التيسير على الناس. قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالحنيفية السمحة)) (?) .