أما التورق، فالفقهاء مختلفون فيه، وكثير منهم يذهب إلى الكراهة، والذين أباحوه أباحوه للضرورة بالنسبة للمشتري – بقصد التورق – بالنسبة للبائع هو لم يدخل في عملية الشراء مرة أخرى لأنه باع وانتهى العقد، والمشتري هو الذي كان يريد السلعة وإنما يريد الورق ولذلك فهو الذي باعها لبائع آخر نرجو أن يقول أن يقول المجمع الكريم كلمته في التورق، لأنه من الأمور التي شاعت في عصرنا حتى كادت في بعض الحالات تحل محل الربا.
والتورق هو أن يشتري بالتقسيط – من البائع – بثمن أعلى، وهو لا يريد السلعة وليس تاجرًا وإنما يريد النقود، ثم يأخذ السلعة ويعرضها للبيع نقدًا فاشتراها بخمسين بالتقسيط على سنتين – مثلًا - وباعها نقدًا بثلاثين، وتسلم الثلاثين، فهو لا يريد السلعة وإنما النقود. هذا هو التورق، أما لو عاد فباعها للبائع الأول نفسه فذلك هو العينة، وقد نقل هنا كلام شيخ الإسلام وكلام ابن القيم رحمهما الله تعالى في التورق والتغليظ في هذا وبيان أن هذا غير جائز.
من القضايا التي أثيرت: التأخر في دفع الأقساط من المشتري، من المعلوم أنه كان من ربا الجاهلية وأنه كان من ربا الديون، وربا الديون إما أن يكون ناشئًا عن دين لبيع آجل أو أن يكون ناشئًا عن قرض، والناشئ عن بيع آجل إذا تأخر المشتري عن الدفع تأتي القاعدة الجاهلية "إما أن تقضي وإما أن تربي". فاللجوء لهذا في عصرنا هو عود لربا الجاهلية مثل فوائد القروض والبنوك سواء بسواء. فإذا قلنا بتحريم هذه فكذلك فوائد التقسيط، أي يقال له: إذا تأخرت تفرض عليك كذا فوائد قانونية، فهذا هو ربا الجاهلية، ولكن النقطة التي أشار إليها الأستاذ الفاضل الدكتور وهبة الزحيلي هي مبحوثه في هذا البحث، لأن أكثر الباحثين طلب من المجمع الموقر بأن يعطي هذه النقطة الهامة حقها وأن يقف عندها لأنها خرجت من النظرية إلى التطبيق، ومن الفتوى إلى العمل، ولذلك فهي تحتاج إلى وقفة حتى يقول المجمع الموقر رأيه فيها، وهى: المدين المماطل، فالمدين المعسر لا شيء عليه {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، فالمدين المعسر لا خلاف أنه لا يطالب بالدين إلا متى أصبح موسرًا إنما المشكلة التي صادفت البنوك الإسلامية هي أن المدين موسر ومماطل، ويتعامل مع البنوك الربوية ولا يتأخر يومًا لأن الفوائد تحسب، ويتعامل مع البنوك الإسلامية ويتأخر ولا يدفع لأن البنوك الإسلامية تعتبر الفوائد حرامًا وهي من الربا فلا تحسبها ولا تأخذها، ولذلك فهو يماطلها.