ولقد لبت الشريعة السمحة على الصعيد الفقهي، كما لا يخفى، حاجات دار الإسلام على مر العصور، فأمدتها بقواعد مرنة تحقق الصالح العام وتعمل على درء المفاسد. ورأى علماء المسلمين منذ قرون أن يعملوا على ضبط قواعد الفقه وتدوينها وتدريسها لأبنائهم. ورأوا كذلك أن يستنبطوا أحكامًا لكل ما يعرض عليهم من مسائل وقضايا وموضوعات.. بل إنهم افترضوا وقائع وأحداثًا قبل وقوعها، وحرصوا على أن يضعوا لكل منها حلًا ملائمًا. وقد توفر بفضل ذلك كنز ثمين من المؤلفات الفقهية والدراسات والأبحاث التي تعالج مشكلات الناس في كل أقطارهم. ولذا، فالمجمع الفقهي الإسلامي لا ينطلق اليوم من فراغ، لأن بين يديه بحرًا زاخرًا من تراث الآباء والجدود. ومن واجبنا أن لا نكتفي بما تركوه لنا، بل إن علينا أن نستمر من حيث ما انتهوا إليه، لنزيد تراثنا ثراء ولنتلافى النقص الذي طرأ في الفترة التي ضعف فيها المسلمون. ويعني ذلك أن مهمة المجمع تقتضي رعاية ذلك التراث، كما تقتضي استثماره لدفع مسيرتنا إلى الأمام.
أيها الإخوة،
وإن من دواعي الارتياح، أن إنجازات مهمة أخرى، في الوقت الذي يبدأ فيه المجمع خطواته الأولى على الطريق سترى النور قريبًا، كمحكمة العدل الإسلامية الدولية التي تتخذ منظمة المؤتمر الإسلامي الإجراءات الأخيرة لإخراجها إلى حيز الوجود، وهي المحكمة التي ستكون مهمتها النظر في الخلافات التي تقع، لسبب أو لآخر، في بعض الأحيان، بين الدول الإسلامية، عملًا بتعاليم ديننا التي تأمر بإصلاح ذات البين. وهي محكمة من شأنها حين تقوم في القريب أن تجنبنا –نحن المسلمين- اللجوء إلى تسوية مثل تلك الخلافات إلى منظمات وهيئات أجنبية تعتمد أحكامًا غير أحكام الشريعة.
ومن تلك الإنجازات أيضًا، وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي ستكون ملزمة للدول الأعضاء كافة. ومن أجدر من المسلم بأن يصوغ هذه الوثيقة؟ ذلك أن الإسلام كرم الإنسان، فضمن له الحياة المادية والروحية، وكفل له الحقوق والحرية والأمان والاطمئنان.