الشيء الثاني، هذه الصورة – البدائل – التي ذكرها الأخوة الكرام هي كلها يراد بها البعد عن الربا، وأي لون من الأوان التي تقوم بها البنوك العقارية في البلدان العربية والإسلامية كلها لا تخلو من الربا؟ ولذلك تحسين الظن بالمعاملات الربوية بهذه البنوك هو في رأيي غير واقعي، والصورة الواقعية هي ما تقوم به الدول الغنية من إقامة مبان متعددة كليبيا والسعودية، تبيعها بأقساط لمدة عشرين سنة ويدفع كل متملك لبيت اشتراكًا شهريًّا جزئيًّا بسيطًا خمسة عشر أو عشرين جنيهًا مثلًا ثم في نهاية العشرين سنة يتملك هذا البيت، هذا الذي تقوم به الدول الغنية لا غبار عليه إطلاقًا، لأنه من قبيل مساهمة الدولة بتحقيق التكافل الاجتماعي المفروض على الدولة، وهذا لا نقاش لنا فيه، كل ما في الأمر أن النقاش ينبغي أن يكون بين الجهات التي تقصد الربح من تصرفاتها وأعمالها وهي إما شركات وإما أفراد، وهؤلاء لا يستغنون بحال من الأحوال عن الربح أيًّا كانت صورة الربح، الذي نريد أن نكيفه لهم ونسبغ عليه صبغة المشروعية. فالحقيقة أنهم يريدون الربح بأي صورة من الصور، ومن تلك الصور الكثيرة الوقوع مع هؤلاء من أجل إيجاد بناء سكني للإنسان هي الصورة التي يتم فيها بيع صوري، لأن أغلب الدول الآن لا تعترف بالعقود الفردية في العقارات إلا بتسجيلها بالسجلات العقارية، والمملك التاجر، المقاول الباني الذي يبني هذه المباني لا يعقد إلا عقدًا خاصًّا بينه وبين هذا الشخص، والدولة لا تعترف بهذا القدر. فإذن هو يضمن حقه، ولذلك أغلب هذه الصور تتم فيها صورة تمليك صوري ومرهون برهن شديد، أنه لا يملك العميل – كما قال أخونا الشيخ تقي – إلا بعد أن تسدد أقساط ملكية هذا البيت، وحينئذ تنتقل الملكية، وبعدئذ يقوم صاحب البناية بإفراغ هذه الملكية في السجل العقاري وبعد أن يستوفي كامل حقوقه. فالملكية المصحوبة برهن لا شك أنها جائزة، من البدائل التي لم تذكر في كلمات الإخوة السادة الأفاضل وأظنهم خشية المساس بقضية الربا وهي قضية الاقتراض بفائدة للمضطر أو للمحتاج، وقد نص على ذلك صراحة فقهاء الحنفية، وينبغي أن لا يفهم من كلامي أن الضرورة بالمعنى الذي يشيع فيما بين الناس، كل واحد يريد أن يوسع بيته أو متجره أو غيره فيقول: أنا مضطر. هذا الكلام مردود عليه، إن وجدت قيود الضرورة الشرعية بضوابطها المعروفة وهي التي يترتب عليها إن لم يقع في المحظور يهلك، بمعنى أنه لم يقترض من البنك بفائدة يصبح يعيش في الشارع إما في كوخ كالبلاد الهندية وجنوب شرق آسيا في الأكواخ والشوارع يولدون ويموتون وهم في الشوارع، وأيضًا بيوت العرب في بعض البلاد العربية يعيش في البيت من الشعر فإن أصبح في مثل هذه الحالة من الضرورة القصوى بحيث إن لم يقترض من البنك بفائدة لبناء سكن يصبح في الشارع أو في كوخ أو في خيمة، عندئذ ما المانع من أن نجيز ذلك بحدود ضيقة جدًّا وحالات نادرة جدًّا وليست على سبيل الاستقصاء ولا على سبيل الفتوى العامة، فنحن إن قررنا هذا إنما نظهر ما هو موجود لدى فقهائنا في مثل هذا الأمر. . . والسلام عليكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015