كذلك من الوسائل التي نرى إباحتها للبنوك العقارية التي تقدم الأموال اللازمة لأصحاب تلك المشروعات العقارية النافعة، أن تأخذ منهم في مقابل خدماتها لهم مبالغ مناسبة يقدرها الخبراء العدول، كأجور للموظفين وللعمال ولغير ذلك من المرافق التي تكلف البنوك الكثير من الأموال والتي تخلت الدولة عن دفعها، وأذنت للبنوك في تحصيلها من المتعاملين معها نظير ما تقدمه لهم من خدمات متنوعة لا تستطيع القيام بها إلا بتحصيل تلك المبالغ، ويبدو لي أنه لا يوجد مانع شرعي يمنع البنوك من أن تأخذ تلك المبالغ من المتعاملين معها ما دامت هذه المبالغ مقدرة من جهة الخبراء العدول ولا جشع معها ولا استغلال وما دامت تؤخذ على أنها في مقابل خدمات معينة يقدمها البنك للمتعاملين معه على سبيل تبادل المنافع المشروعة.

هذه في نظري أبرز الوسائل التي أرى أن البنوك العقارية يجب عليها أن تأخذ بها أو ببعضها عند تمويلها للمشروعات التي وجدت من أجل المساهمة في تحقيقها وهي التعمير والبناء إلى آخره، لأن هذه الوسائل مع جوازها من الناحية الشرعية سيترتب عليها – بإذن الله – ما يأخذ بالأمة إلى طريق الخير والرقي.

وأما الوسائل التي اتفق العلماء على حرمتها وعلى وجوب التخلي عنها فهي كل وسيلة تسلكها هذه البنوك في تعاملها مع غيرها وتكون هذه الوسيلة مصحوبة بالغش أو بالتدليس وبالاستغلال أو بالربا أو بغير ذلك من المعاملات المحرمة، فمثلًا ما تأخذه هذه البنوك من فوائد باهظة على المبالغ التي تقرضها لمن هم في حاجة إليها لسد ضرورات حياتهم هي من قبيل الظلم والاستغلال والربا المحرم، وما تأخذه من فوائد مضاعفة على المعسرين هو أيضًا من قبيل الظلم البين والربا الجلي الذي أعلن القرآن الكريم حرب الله ورسوله لمن يتقاضاه {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} .

وهنا أنبه إلى أن الوسائل المنحرفة عن الحق في التعامل هي ليست محرمة على البنوك فقط، بل هي محرمة شرعًا سواء أصدرت عن البنك أم عن المتعاملين معه بقصد استغلاله لمصالحهم الخاصة وبقصد أخذ جزء من أمواله التي هي ملك للأمة لا من أجل حاجتهم الماسة إليها وإنما من أجل الزيادة في ثرواتهم الضخمة ومن أجل إشباع مطامعهم التي لا نهاية لها.

ويحضرني بهذه المناسبة أن رجلًا أرسل إلى دار الإفتاء المصرية سؤالًا ملخصه: أنه يأخذ من أحد البنوك التي هي ملك للدولة مبالغ معينة بفائدة معينة، ثم يضع هذه المبالغ في بنك آخر بفائدة أعلى وأكبر، ثم يسأل هل عليه زكاة على هذا المال؟ ولا شك أن هذا السلوك القبيح يمثل لونًا من أبشع وأقبح ألوان التحايل الذي يدل على انطماس البصيرة وضعف الدين وسوء الخلق.

انتهيت بعد ذلك بأن هذه الكلمة عن التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، ذكرنا فيها بعض المقدمات التي لا بد منها ثم ثنينا بكذا وكذا، وأن التمويل العقاري لبناء المساكن وما يشبهها لهو في ذاته عمل جليل إذا قامت به البنوك وفق الأحكام الشرعية التي سبق أن بينّاها والتي لا ظلم فيها لأحد لأنها من عند أحكم الحاكمين.

وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015