هذا إذا انعقد البيع مطلقًا من غير شرط، ووقعت المواعدة بعد انعقاد البيع. وقد صرح عدة من الفقهاء، بأن الحكم كذلك لو وقعت المواعدة قبل انعقاد البيع، ثم انعقد البيع مطلقًا من غير شرط، قال القاضي ابن سماوة الحنفي رحمه الله: " شَرَطا شرطًا فاسدًا قبل العقد، ثم عقدا، لم يبطل العقد، ويبطل لو تقارنا ". وقال في مسألة البيع بالوفاء: " وكذا لو تواضعا الوفاء قبل البيع، ثم عقدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة بالمواضعة السابقة ". وحكاه ابن عابدين في رد المحتار واعترض عليه، ولكن أجاب عنه العلامة محمد خالد الاتاسي – رحمه الله – في شرح المجلة، وقد ذكرت نص كل واحد منهما.

ولهذا أفتى جماعة من متأخري الحنفية بأن المواعدة المنفصلة عن عقد البيع، سواء كانت قبل العقد أو بعده، لا تلتحق بأصل العقد، ولا يلزم منها البيع بشرط أو صفقة في صفقة، فلا مانع حينئذ من جواز العقد.

وربما يقع ههنا إشكال، وهو أن المواعدة إذا وقعت قبل العقد، فالظاهر أنها ملحوظة عند العقد لدى الفريقين ولو لم يتلفظا بها صراحة عند الإيجاب والقبول، وإنهما لا يبنيان العقد المطلق إلا على أساس ذلك الوعد السابق، فلم يبق هناك فرق بين هذا العقد المطلق الذي سبقه مواعدة من الفريقين وبين العقد الذي شرط فيه العقد الآخر صراحة، وينبغي أن يكون الحكم دائرًا على حقيقة المعاملة دون صورتها، وأن تكون المواعدة السابقة في حكم الشرط في البيع في عدم الجواز، وهذا هو المنهج الذي سار عليه ابن عابدين – رحمه الله – في رد المحتار.

والجواب عن هذا الإشكار على ما ظهر لي – والله سبحانه أعلم – أن الفرق بين المسألتين ليس في الصورة فحسب، بل هناك فرق دقيق في الحقيقة أيضًا – وهذا شيء مهم – وذلك أن العقد الواحد إن كان مشروطًا بالعقد الآخر، والذي يعبر عنه بالصفقة في الصفقة، لا يكون عقدًا باتًّا، وإنما يتوقف على عقد آخر بحيث لا يتم العقد الأول إلا به، فكان في معنى العقد المعلق أو العقد المضاف إلى زمن مستقبل، فإذا قال البائع للمشتري – مثلًا – بعتك هذه الدار على أن تؤجر الدار الفلانية لي بأجرة كذا، فمعناه: أن البيع موقوف على الإجارة اللاحقة، ومتى توقف العقد على واقع لاحق، خرج من حيز كونه باتًّا، وصار عقدًا معلقًا، والتعليق في عقود المعارضة لا يجوز، ولو حكمنا بمقتضى هذا العقد، وامتنع المشتري من الإجارة، فإن ذلك يستلزم أن يرتفع البيع تلقائيًّا، لأنه كان مشروطًا بالإجارة، وعند فوات الشرط يفوت المشروط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015