وأما إجارة حصل الممول من العميل، فهذه إجارة جائزة أيضًا، لأن إجارة المشاع من غير الشريك وإن كان في جوازه خلاف بين الفقهاء ولكنه لا خلاف في جواز إجارة المشاع من الشريك. وذكرت النصوص الفقهية في هذا الشأن عن المغني لابن قدامة وعن رد المحتار وما إلى ذلك.

فظهر بهذا أن هذه العقود الثلاثة من المشاركة في الملك، والإجارة، والبيع، كل واحد منها صحيح في حد ذاته، فإن وقعت هذه العقود من غير أن يشترط أحدها في الآخر، بل يعقد كل منها مستقلًا، فلا غبار على جوازها.

وأما إذا وقعت هذه العقود باتفاق سابق بين الفريقين، فربما يبدو أن ذلك لا يجوز، لكونه صفقة في صفقة، أو لكون العقد الواحد شرطًا زائدًا في العقد الآخر، وإن الصفقة في الصفقة لا تجوز، حتى عند من يجوز بعض الشروط في البيع، كالحنابلة، وقال ابن قدامة رحمه الله: " الثاني (أى النوع الثاني من الشرط) فاسد، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يشرط على صاحبه عقدًا آخر، كسلف أو قرض، أو بيع أو إجارة أو صرف الثمن أو غيره، فهذا يبطل البيع ". والنص مذكور بكامله في بحثي.

ولكن هذا المحظور – يعني محظور الصفقة في صفقة – إنما يلزم إذا كان العقد الواحد مشروطًا بالعقد الآخر في صلب العقد، أما إذا وقعت هناك مواعدة بين الفريقين، بأنهما يعقدان الإجارة في الوقت الفلاني، والبيع في الوقت الفلاني، وانعقد كل عقد في وقته مطلقًا من أي شرط، فالظاهر أنه لا يلزم منه الصفقة في الصفقة وقد صرح به الفقهاء في عدة مسائل، ولا سيما في مسألة البيع بالوفاء، وقد ذكر في الفتاوى الخانية: " وإن ذكرا البيع من غير شرط، ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة، جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد، لأن المواعدة قد تكون لازمة فتجعل لازمة لحاجة الناس ".

فالبيع بالوفاء كان غير جائز عند الحنفية، ولكنهم جوزوا أن تقع المواعدة قبل البيع أو بعده فينعقد البيع مطلقًا عن الشرط ثم يقع الوعد الملزم، وهذا ما صرح فقهاء الحنفية بجوازه، وبمثله صرح علماء المالكية في مسألة البيع بالوفاء الذي يسمى عندهم " بيع الثنيا " فإنه لا يجوز عندهم في الأصل.

ولكن إذا وقع البيع مطلقًا عن هذا الشرط، ثم وعد المشتري البائع بأنه سوف يبيعه إن جاءه بالثمن، فإن هذا الوعد صحيح لازم على البائع، كما ذكره الحطاب وذكرت نصه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015