الشيخ طيب سلامة:

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بلسان الثناء والشكر، أتوجه إلى هذا المجمع الكريم، لوضع الإِصبع على الداء، وهو أكبر داء، وكنت أستمع إلى حضراتكم وأنا أتخيل لو فتح على مجمعنا هذا جهاز التلفاز لالتهت الأكف في الدنيا وفي العالم الإِسلامي بالتصفيق، ولصفرَّت الوجوه القليلة التي عادت هذه الشريعة وتعاديها وهي مصرة على معاداتها، اسمحوا لي أن أعود إلى أصل الداء لأنني أعتقد أن الجسم إذا سكنته الجراثيم لا يبحث الطبيب عن تقويته قبل أن يبحث عن القضاء على الجراثيم الفتاكة التي تنخره من الداخل، وأقول: إن عملية تكريه العالم الإِسلامي في الإِسلام، هي عملية غربية، عملية عداء غربي، عملية عداء للإسلام قديمة ومعروفة، والصهيونية والتي نسميها الصهيونية العالمية الموجودة اليوم هي موجودة من عهد خيبر، وهي مستمرة، ثم انضافت إليها المسيحية بتخطيط من الصهيونية حتى تعضد جانبها، وبرزت الأمور في ميدان تطبيقي عملي إثر الحروب الصليبية، وكان ما كان مما انتاب الخلافة العثمانية، وبقي الصليب يحقد على الإسلام ولم يجدوا سبيلًا، فقاموا بحركة التبشير، وكنا نرى في القرى والمدن في البلاد الإِسلامية الآباء البيض يطوفون متظاهرين بالرحمة والإِشفاق على الصغار، كما أنهم أخذوا من أبناء البلاد الإسلامية شبابًا يربونهم على الطريقة التي يريدونها. أعطيناهم أبناءنا، ومكنَّاهم منهم، وبذلك كرهوا إليهم دينهم، وحببوا إليهم حياة المدنية، وأقنعوهم بطرقهم بأن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين، ولو تخلى المسلمون عن إسلامهم، ولو انحصر – على الأقل – الإسلام في المساجد والجوامع كما فعلت المسيحية مع المسيحيين، لآل الأمر إلى تقدم، وإلى مماشاة المسلمين للعالم العصري المتقدم – وقد اقتنع الكثير – بأنه لا يجوز لنا إذا رمنا الخير لأطفالنا أن نحفظ القرآن، كما قال الغربيون، ونظرية تربوية عقيمة، نشروها فينا بدعوى أن الحفظ يقوي الحافظة، فتطغى الحافظة على الفكرة، وبذلك يصبح الطفل عندما يشب وعندما يصير كهلًا، لا شخصية له لأنه عبارة عن آلة حاكي لا تحسن شيئًا، والنتيجة رأيناها بالعكس، رأينا بالعكس أن جميع من حفظوا القرآن هم من العلماء العلام الأعلام السلف الصالح من علمائنا ما من واحد منهم في ترجمته إلاَّ وهو يحفظ القرآن زيادة على ما يحفظه من آلاف الأحاديث بأسانيدها، فكانت هذه الحافظة، التي هي منطلق التربية الإِسلامية، أصبحت عيبًا كما أراد الغرب أن يصوِّرها، هذه مثلًا صورة من الصور، وبذلك تعليمنا اليوم خالٍ أو أشد ما يتبرم منه الطلاب والتلاميذ أن تأمرهم بحفظ شيء، وزالت الكتاتيب، وحذفت الكتاتيب، بهذه الدعوة لأن الأمر تقليدي وأمر لا يمكن أن نبقى عليه في هذا العصر، وهكذا: ما أردت أن أقوله إخواني من غير أن أطيل، هو أن القضية قضية هامة جدًّا، والقضية تحتاج إلى عناية كبرى، ولكن تحتاج إلى إقناع شبابنا اليوم: الدعوات التي توجه إليهم باسم التكنولوجيا، وباسم جلب العلوم العصرية، باعتبار أن الحياة ما كانت تقوم إلاَّ على ما أوجدته الحياة العصرية من علوم مادية، اقتنعوا بهذا، وانصرفوا إلى هذه العلوم، وتخلوا عن دينهم وعن تعاليم دينهم، فأصبحنا نكون مديري المصارف والمهندسين، ولكن بدون ضمائر إسلامية، هذا الذي ينقصنا، وهذا الذي جعلنا في تخلف، ومهما تكن ثرواتنا – نحن ثرواتنا – والحمد لله – أغدق الله علينا من الثروات الشيء الكثير، ولكن ثرواتنا لم تنفعنا، العلم والتكنولوجيا قد أتينا بذلك، ولكن أيضًا لم نستفد من ذلك شيئًا ولا يتم نفع إلاَّ إذا قامت على القيم الإسلامية، وتعاليم الشريعة الإِسلامية، هذا ما أردت أن أقوله وشكرًا سيادة الرئيس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015