لو أردوا أن يطبقوا الشريعة لوجدوا ألف وسيلة ووسيلة لتطبيقها ولتقنينها إن كان لا بد من التقنين، هذه واحدة، الأخرى: هي مسألة اتفاق القوانين الوضعية في معظمها مع الشريعة الإِسلامية، هذه قضية تذكر دائمًا، ونقول إن الاتفاق لا يكفي لأنه لا بد أولًا من تحديد المنطلقات، منطلقات الشريعة غير منطلقات القانون الوضعي، الفلسفة مختلفة، والدليل مختلف، وقطع النص القانوني عن مصدره الإِسلامي يجعله قانونًا وضعيًّا، لا يكون هناك قيمة ما لم يقل: إن هذا الأمر مستمد من كذا أو كذا، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ومما قاله الفقهاء وبناء على كذا حتى القوانين التي تبنى على المصالح المرسلة أو على سد الذرائع، يجب أن تؤصل تأصيلًا إِسلاميًّا وإلاَّ رفضت، هذا يعني لا بد من توضيح هذه المسألة، قضية أخرى: وهي قضية التدريج في تطبيق الشريعة، والذين يقولون إن الشريعة تطبق بالتدريج، طيب سلمنا بالتدريج، وبعضهم يقول: أتريدنا أن نطبق الشريعة فيما بين عشية وضحاها؟ طيب طبقوها بالتدريج، ولكن ما معنى التدريج؟ التدريج أن تكون هناك مراحل كل مرحلة تسلم إلى مرحلة، تريد أن نطبق الشريعة في خلال خمس سنوات أو عشر سنوات؟ إذن ضعوا خطة زمنية بحيث إنه بعد سنتين نخلص من القانون المدني، وبعد كذا نخلص من مناهج التربية، هذا معنى التدريج، إنما هؤلاء لا يريدون التدريج، يريدون التمويت، فنحن إذا سلمنا بالتدريج – وقد قال به مثل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي قال له ابنه الورع التقي عبد الملك: يا أبي ما لي أراك تتباطأ في إنفاذ الأمور؟ والله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله، فقال يا بني: إن الله ذم الخمر في آيتين ثم حرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أدفع الناس إلى الحق جملة فيدعوه جملة، ولكن أما ترضى ألاَّ يمر على أبيك يوم إلاَّ وهو يميت فيه بدعة ويحيي سنة؟ - فهذا هو التدريج أن تمات كل يوم بدعة وتحيا سنة، أما أن يقولوا بالتدريج ولا يفعلون شيئًا وتمر السنين وراء السنين، وهم في موقعهم، فليس هذا من التدريج في شيء، المهم أيها الإخوة أن تكون هناك نية – فعلًا – صادقة للحياة حياة إسلامية، وهذا هو المراد من كلمة "تطبيق الشريعة"، ليس الجانب القانوني فقط، وليس جانب الحدود والعقوبات فقط، ولكن أن تحيا مجتمعاتنا حياة إِسلامية، حياة توجهها العقيدة الإِسلامية، وتضبطها الأخلاق الإِسلامية، وتحكمها التشريعات الإِسلامية، وهذا ما تريده، الأمة، وما يريده الله تعالى منها: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.