إذن خطاب الضمان عبارة عن كفالة محضة في شتى صوره ولو كانت هذه الكفالة أحيانًا تعتريها بعض القيود المعدلة للأصل المتبادر منها، كأن يكون من حق المكفول عنه أن يرجع على الكفيل بدون مطالبة الأصيل، وأحيانًا يرجع عليه ولو أدى الأصيل ما طلب منه لأنه ليس مطالبًا بالتثبيت والتحرى قصدًا لاستقرار التعامل، فهو يؤدي ما طلب منه ثم يرجع بما دفع. وقد يطالب أو يطلب دعوة جزائية على ذلك الذي أخذ البدل مع أن العميل الأصلي قد سقط والالتزام قد تحقق.
بعض الباحثين أراد أن يوجه خطاب الضمان وجهة أخرى فاعتبره وكالة ولا سيما إذا كان كفالة بالأمر، لأنه اعتبر هذا الأمر بمثابة توكيل والحقيقة أن الكفالة بالأمر لم تتغير فيها الحقيقة الشرعية وهي شغل ذمتين بحق واحد، ومعظم الكفالة التي تتم إنما بالأمر من المكفول عنه، وهذا الأمر لا يغير من الطبيعة الشرعية التي تقوم عليها الكفالة وإلا فنكون قد فرغنا الكفالة من محتواها ومن مضمونها لمجرد وجود هذا الأمر. الوكالة شيء والكفالة شيء آخر، الوكالة فيها التزام، أما الكفالة ففيها شغل ذمتين بحق واحد، كان الحق في ذمة الأصيل، فبوجود الكفالة انضمت ذمة أخرى إلى الذمة الأصلية لتوثيق هذا الحق.
إلا أن هناك صورة من خطاب الضمان وهي التي يكون فيها غطاء يعطي إلى الكفيل من المكفول عنه لكي يسد به الدين إذا طولب به. وهذا النوع من خطابات الضمان المغطاه أمكن تشخيصة وتكييفه إلى اعتبارين: فهو بين الدائن وبين المصدر لخطاب الضمان أو الضامن عبارة عن كفالة، لأن الدائن يشعر بأن ذمة هذا الكفيل قد شغلت بالدين الأصلي. وأما العلاقة بين الضامن وبين طالب الضمان وهو المكفول عنه، والذي قدم مقابلًا لهذا الضمان فإنه عبارة عن وكالة، لأنه أعطى مالًا وطلب من الضامن أن يدفع هذا المال عندما يطالب به. ولا يستنكر أن يكون للتصرف الواحد اعتباران، فهناك كثير من العقود تعتبر لازمة بالنسبة لطرف، وغير لازمة بالنسبة لطرف آخر ويكون لها اعتبار شرعي في مجال، واعتبار شرعي عندما تتغير المقتضيات والمضمون الذي تقوم عليه. فيما عدا هذه الصورة فإن خطاب الضمان يستقر أمره على أنه كفالة، سواء كان بطلب (كفالة بالأمر) أو بغير طلب. ولكن بعض الكتاب نظر في عبارات بعض الفقهاء وتصيد منها عبارة جاء فيها تشبيه الكفالة بالأمر بانها فيها وكالة وادعى أن كل كفالة بالأمر إنما هي وكالة لوجود هذا الأمر متغاضيًا أو متغافلًا عن أن هذا الأمر لم يغير من حقيقة الكفالة من انها فيها ضم ذمة إلى ذمة. والحقيقة أن هذا التشبيه إنما هو في النتيجة وليس في التكييف الشرعي، فالتكييف الشرعي بين الكفالة بالأمر وبين الوكالة مختلف كل الإختلاف.