وهي في نفس الوقت الذي تقدم فيه خطاب الضمان المزين الذي يطلبه، إنما تقدم له خدمة مقدرة ومحترمة ويستطيع من خلال استخدامه لضمان البنك أن يتجاوز ذلك بجهده الخاص حتى يبني هو سمعته ويكون محل ثقة الجهات التي يتعامل معها، ولا يحتاج بعد ذلك إلى ضمان الآخرين. وهكذا تمضي الدورة. فكما بنى البنك هذه الثقة لبنة لبنة وكما دفع فيها ما غلا من الثمن مالا وزمنا كذلك يستطيع الفرد أن ينهج نفس النهج فيبني جاهه ولذلك ثمنه. ويكون الأجر الذي يدفعه للبنك الضامن جزءا من ذلك الثمن ويكون الوفاء بإلتزاماته في وقتها وبشروطها هو جزء آخر.
ومع قولنا أن الضمان يكون نتاج عمل مقوم ومحترم إلا أنه في ذاته يحتاج إلى عمل مادي من قبل الجهة المعطية للضمان كدراسة أحوال العميل ومعرفة مركزه المالي ودرجة التزامه ودراسة المشروع موضوع التمويل ومدى جدواه الإقتصادية والإجتماعية، ولكنا لا نقول كما قال المتقدمون: أن له أجر المثل في هذه الدراسات فحسب، وإنما له أخذ الأجر على عطية الضمان ككل ما كان منها عملا ماديًا وما كان منها جاها.
5- ومما يدل على مالية الجاه اشتراط كثير من الفقهاء في الضامن أن يكون مليًا. إذن فالمقصود من الضمان ليس هو جاه أو مجرد ذمة الضامن وإنما جاهه المبني على سمعته المالية وذمته القادرة على الوفاء. وما دام المقصود هو ملاءته وما الجاه والثقة إلا مظهر من مظاهرها فلا معنى لأن يقول البعض إنه يجوز الأجر على الجاه إذا كان ثمة عمل كسعي ونفقة وغيره. أما إذا لم يكن شيء من ذلك فلا أجر على الجاه علمًا بأن الجاه لا يكون إلا منفعة من منافع العمل. ولعل الذي صرف الفقهاء عن اعتباره هو أن الخدمة المؤداة عن طريق الضمان وإن كانت خدمة جليلة ومحترمة تفوق في جلالها وقيمتها كثيرًا من القيم الأخرى المادية إلا أنها تبدو وكأنها خدمة ناتجة عن عمل غير مادي بل ناتجة عن منفعة عمل مادي. ولأنها منفعة فقد دقت على الفقهاء فيما مضى. غير أن المنافع والحقوق قد أصبحت اليوم من الوضوح والشخوص بحيث لا ينكرها أحد ولا تدق على فقيه كما كانت من قبل. ولقد مضى الزمن الذي لم تكن فيه المنافع مالا أو شيئا يقوم بالمال.