وهو نفس العرف الذي لم يكن الناس يسوّقون به أخذ الأجر على تعليم القرآن وعلوم الشريعة فلما انقطع الناس لذلك وأصبحت لهم مهنة أجازوه دون أدنى حرج. وهو نفس العرف الذي دفع الحنفية إلى عدم اعتبار المنفعة مالا وخالفهم في ذلك الجمهور.

وما الضمان إلا واحد من هذه التصرفات التي مشى فيها الفقه بناء على العرف. وحيث أن العرف قد تبدّل اليوم كثيرًا فلا مناص من النظر في امر الضمان لاستنباط الحكم الذي يلائم حاجة ومصلحة الجماعة المسلمة.

ومما يدل على أن الحكم بعدم جواز أخذ الأجر على الضمان لم يكن صحيحا على إطلاق ما ثبت من بعض الفقهاء جوّزوا صورا من أخذ الأجر على الضمان تمشيامع تبريرات التعامل التي واجهتهم من ذلك مثلا:

في الخطاب:

1- وفي التوضيح إذا كان رب الدين أعطى المديان شيئا على أن يعطى جميلًا فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم. وعن اشهب في العتبية أنه لا يصح وعنه أيضا أنه كرَهه. وقال اللخمى وغير الجواز بين (?) .

2- وقال ابن غازى أن الجعل لو كان من رب الدين للمديان لصح فأحرى إذا كان من غيره (?) .

3- ولابن القاسم في العتبية لا بأس أن نقول: خذ هذه العشرة دنانير وأعطنى بما عليك حميلا ورهنا وعلى أحد أقوال مالك لا يجوز (?) .

4- ولمحمد عن أشهب: من له على رجل عشرة دنانير لأجل فاسقط عنه قبل الأجل دينارين على أن يعطيه بالباقى رهنا أو حميلا فلا بأس به. وقال ابن القاسم لا يجوزه اللخمي لأن أخذه الحميل خوف عسر الغريم عند الأجل فيجب تأخيره فأخذه الحميل بما ضع مثل: ضع وتعجل (?) .

هذه النصوص تفيد بصورة أو أخرى أنه يجوز للغريم أي المدين أن يأخذ عوضا أو أجرا من الدائن على أن يقوم هذا الغريم بتقديم كفيل أو ضامن بالدين الذي عليه، طبعا على اختلاف بينهم على هذا الجواز وعدمه، وعلى اختلاف بين المجيزين في درجة جوازه. فلم جوّزوا العوض للغريم والضمان في تقديرهم ما زال من عقود التبرع. ولم جوزوه للغريم ولم يجّوزوه في حق الضامن الذي يتولى المسؤولية؟ أحسب أنهم أحسوا بالحاجة للضامن. ولم يروا أن يصادموا الحكم العام بعدم جواز الأجر على الضمان، فجعلوا العوض للمدين مع أن الدائن يستفيد من ضمان الضامن لا من المدين. فهو عندما دفع يريد أن يستوثق لحقه ويحصل على هذا الاستيثاق بتحرير الضمان لصالحه، فما يسعى له ويشتريه هو الضمان وهو المقابل لما دفعه من أجر. وليس هو شيئا عند المدين، لأنه لو رضي بالمدين فلا حاجة له بدفع العوض لأن الحق متعلق بذمته ابتداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015