-وأيضاً - أولم يتحقق فيه أن (صاحب الشرع كان مأموراً بأن يُبَيِّن للناس ما يحتاجون إليه وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم. فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم) .
أقول: فهل ترك صاحب الشرع بيان هذه السنة لكافة أصحابه وتعليمهم إياها مع أن عدد رواتها قد بلغوا خمسين رواياً؟!!
وبعد: فإنه لا يصح أن يقال: لا يجوز العمل بهذه السنة؛ لأنه لم يشتهر النقل فيها مع حاجة الخاص والعام إلى معرفتها؛ لأن هذا القول يكون حينئذٍ مكابرة مع ما ذكر من عدد رواتها وصحة طرقها وعدم وجود دليل صحيح يعارضها أو يدفعها.
فائدة:-
قال النووي رحمه الله (?) : (والأحاديث الصحيحة في الباب كثيرةٌ غَيْرُ منحصرة ... )
قلت: بهذه النقول وغيرها تَبَيَّنَ أن قول الجصاص (?) : (حديث رفع اليدين في الركوع، لو كان ثابتاً لنقل نقلاً متواتراً) قولٌ عارٍ عن التحقيق والتدقيق والبحث العلمي الرصين المتجرد للدليل لا للتعصب المقيت؛ لأنه قد سبق –وسيأتي إن شاء الله- النقل عن أئمة الحديث والأثر روايتهم له من طرق بلغت حد التواتر عند أهل العلم والمعرفة بالحديث وطرقه، وإلا فإن الجصاص ومن قال بقوله إنما هم مخبرون عن حالهم ومبلغ علمهم، وهم صادقون فيما أخبروا به عن أنفسهم مخطئون في حكمهم على أئمة الدنيا من أهل الحديث والأثر ومخطئون-أيضاً - في حكمهم على الحديث نفسه، كما أن القول بما ادعاه الجصاص ومن وافقه فيه فتح باب عظيم من أبواب الشر والفساد لرد سنة سيد المرسلين إذ لا يُعْجِزُ أي شخص لا يريد العمل بالسنة أن يدعي ما ادعوه.