وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ أو لم يعرفوا منه غير الوجه الواحد فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار ويتوضأون من ذلك، وممن روى عنه ذلك زيد بن ثابت وابن عمرو، وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة وأم حبيبة أما المؤمنين، واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري وعن ابن عمر وأنس بن مالك وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن وابنه عبد الملك ومحمد ابن المنكدر وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب الزهري فهؤلاء كلهم مدنيون، وقال به من أهل العراق أبو قلابة وأبو مخلد والحسن البصري ويحيى بن يعمر وهؤلاء كلهم بصريون.
وكان ابن شهاب رحمه الله قد عرف الوجهين جميعاً في ذلك وروى الحديثين المتعارضين في هذا الباب وكان يذهب إلى أن قوله (توضأوا مما غيرت النار ناسخ لفعله المذكور في حديث ابن عباس هذا ومثله وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه وقد ناظره أصحابه في ذلك فقالوا كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون فأجابهم بأن قال: أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله (من منسوخه) .
قلت: مما سبق ذكره من بعض الأحاديث والآثار في المسألة وأقوال العلماء اتضح أنها معدودة من باب تعارض الأدلة من الأحاديث والآثار المروية فيها فمن رجح أحد الطرفين قال به ومن جمع قال بما توصل إليه في نظره ولم يذكر أحد من العلماء الذين ذُكِروا أنه ترك حديث توضأوا مما مست النار لكونه حديثاً روي فيما تعم به البلوى فلا يعمل به.
3-تغسيل الجنازة وحملها:
لم يعمل القائلون بهذه القاعدة بخبر الوضوء والغسل من حمل الجنازة أو تغسيلها، لكون الخبر المروي في المسألة خبر آحاد فيما يعم به البلوى فلا يقبل.