فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم. وأنهم لم يتركوا نقله على وجه الاستفاضة، فحين لم يشتهر النقل عنهم عرفنا أنه سهو أو منسوخ، ألا ترى أن المتأخرين لما نقلوه اشتهر فيهم فلو كان ثابتاً في المتقدمين لاشتهر أيضاً وما تفرد الواحد بنقله مع حاجة العامة إلى معرفته) انتهى.
والجواب عن هذا الدليل بأن يقال (?) : (إنما يجب ذلك لو لزم المكلفين العمل به على كل حال، فأما إذا لزمهم العمل بشرط أن يبلغهم الخبر فليس في ذلك تكليف ما لا طريق إليه، ولو وجب ما ذكروه فيما تعم به البلوى لوجب فيما لا تعم به البلوى أيضاً؛ لأنه وإن كانت البلوى لا تعم به لكنه يجوز وقوعه لكل واحد من آحاد الناس، فيجب في حكمه إشاعة حكمه خوفاً من أن لا يصل إلى من يُبتلى به فيضيع فرض عليه.
جواب آخر: أن الحكم وإن عم به البلوى، فليس هو بشيء وقعت واقعته في الحال لكلّ أحد في نفسه وذاته، بل غاية ما في الباب: توهم وقوعه. وإذا لم يكن إلا محض التوهم، فإذا وقع يمكن الوصول إلى موجب الحكم؛ لأن حكمه وإن نقله الواحد والاثنان فالتمكن من الوصول إليه موجود. فيكفي ذلك؛ لأنه إذا أمكنه الوصول فليس يضيع الحكم) .
فالنبي (مبلغ عن الله وقد يبلغ الكافة وقد يبلغ العديد القليل وأحياناً الفرد والفردين، فقوله (: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها) (?) والحديث لم يشترط ما شرطه هؤلاء بل أطلق لكل من سمع مقالته أن يبلغها سواء كانوا جماعة أو أفرادا أو حتى فرداً واحداً أن يبلغ ما سمع فالواجب أنه متى ما صح عن رسول الله صلى الله من خبر وجب قبوله وعدم رده، وقد سبق بيان وجوب قبول خبر الواحد العدل فليرجع إليه.