وعلى فرض وجود التعارض بينهما فإن أمكن الجمع تعين كأن يقال: إن حديث النهي عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل عام، وحديث سعد خاص بالنهي عن بيع الرطب بالتمر فيجعل مخصصاً لعموم حديث عبادة بن الصامت السابق فلا يكون حينئذٍ أي تعارض فكأن النبي (قال: يجوز بيع البدلين رَطْبَيْن أو يابسين إذا وجدت المساواة ولا يجوز بيعهما إذا كان أحدهما رَطْبَاً والآخر يابساً ولو وجدت المساواة.
فالرسول (لما سئل عن بيع التمر بالرطب أرشدهم إلى أن العلة في التحريم عدم المماثلة؛ لأن مآلهما عدم المساواة إذا يبس الآخر.
قال ابن القيم (?) : (كانوا إذا سألوه عن الحكم نبههم على علته وحكمته كما سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا جف قالوا: نعم قال: فلا إذن. ولم يكن يخفى عليه (نقصان الرطب بجفافه ولكن نبههم على علة الحكم) .
وقد أوضح ذلك الإمام ابن عبد البر بقوله (?) : ( ... للعلماء فيه قولان:-
أحدهما: وهو أضعفهما أنه استفهام، استفهم عنه أهل النخيل والمعرفة بالتمور والرطب ورد الأمر إليهم في علم نقصان الرطب إذا يبس.
والقول الآخر: وهو أصحهما أن رسول الله لم يستفهم عن ذلك ولكنه قرر أصحابه على صحة نقصان الرطب إذا يبس ليبين لهم المعنى الذي منه منع.
فقال لهم: أينقص الرطب: أي أليس ينقص الرطب إذا يبس وقد نهيتكم عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل.
فهذا تقرير منه وتوبيخ وليس باستفهام في الحقيقة لأن مثل هذا لا يجوز جهله على النبي (، والاستفهام في كلام العرب قد يأتي بمعنى التقرير كثيراً وبمعنى التوبيخ، كما قال الله عز وجل: (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءآنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ( {المائدة 116} فهذا استفهام: معناه التقرير وليس معناه أنه استفهام عما جهل جل الله وتعالى عن ذلك.