كذا سائر العلوم أو الأشيئاء المطلوب معرفتها فإنها تبدأ بالوضوح شيئاً فشيئاً حتى تصبح يقينية لا يمكن الشك فيها بوجه من الوجوه. فكما أن الناظر إلى ذلك الميزان لا يمكنه دفع رجحان إحدى الكفتين على الأخرى، كذا الناظر في خبر الواحد الذي درس سنده فلم يجد ما يقدح في صحته؛ فإنه لا يستطيع حينئذٍ دفع ما يجده في صدوره من اعتقاد صحته ورجحان ثبوته إلا بالهوى والتشهي.

د-إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة.

قال ابن حزم (?) : قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((الحجر 9) .

وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ((النحل 44) .

فصح أن كلام رسول الله (كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل. فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الذي أتانا به محمد (محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا.

قال تعالى: (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ((الأنعام 19) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015