فكلام الأصوليين القائلين بهذا القول، والقائلين بظنية حجية أخبار الآحاد متجه إلى الفرض الذهني فهم يقولون: كل أخبار الآحاد تفيد الظن، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ... الخ.

بخلاف أئمة الحديث والأثر فإن حكمهم متجه إلى كل حديث وإسناده على حده فكانت أحكامهم على الأحاديث وأسانيدها – بل أحياناً على الحديث وسنده - مختلفة فقالوا: هذا حديث صحيح لذاته، وهذا صحيح لغيره، وهذا حسن لذاته، وهذا حسن لغيره، وهذا ضعيف، وآخر موضوع، وهكذا … حسب عدالة الرواة وضبطهم واتصال السند وصحة السماع وغير ذلك مما هو معروف في علم مصطلح الحديث.

فليس كل حديث آحاد يفيد الظن، ولا كل حديث آحاد يفيد القطع بل فيه وفيه، فمن نسب إلى السلف القول بأحد الكُلِّيتين فقد أخطأ، إلا أنهم يقولون: إن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم، والعلم هنا ليس هو العلم المراد عند المتكلمين من الأصوليين كما أن معنى الظن عند علماء السلف ليس هو بمعنى الظن عند الخلف، فلا العلم هو العلم ولا الظن هو الظن.

لأن ما ثبت بالدليل الشرعي فهو علم، وقد يكون العلم مقطوعاً به إذا كان الدليل المثبت له قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، وقد يكون ظناً غالباً أو راجحاً إذا كان الدليل المثبت له دون ذلك. وهو قول العلماء السابقين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة المرضيين.

وأما الخلف فالعلم عندهم مقصور على اليقين الثابت بالعقل - هذا هو الأصل -، وقد يثبتون اليقين بالدليل النقلي.

والظن في إطلاقهم هو: الشك أو التخمين أو الخرص أو الوهم – والظن بهذا المعنى لا يطلقه السلف على ما ثبت بالدليل العقلي أو النقلي – ويستدل الخلف على دعواهم تلك بالآيات التي نزلت منكرة على الكفار عبادتهم لآلهتهم الباطلة نحو قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ((الأنعام 117) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015