أمّا “ الكاتب ” مع قرائه فهو أحد اثنين إمّا أن يكون مفهوماً، وإما أن يكون غامضاً فحين يكون مفهوماً وواضحاً بدرجة تحرك العواطف، وتثير الحماس، يحتاج إلى طريقة خاصة كطريقة العرَّاف في استحضار العفاريت والأرواح الشريرة، لأنها الطريقة المناسبة لغريزة الجماعة المولعة بالاستسلام للأوهام (?) .

وحين يكون غامضاً ومداوراً فهذه “ خطيئته ” في نظر الجماهير ((لأنهم يجهلون أن القلم شيء، والهراوة شيءٌ آخر)) (?) ، على أن الدوران كثيراً ما يكون نتيجة “ أزمة تعبير ” أدركها حمزة شحاتة وهو أحد صناع الأدب ((إنيّ، ككاتب قديم، لا أجد في أكثر الأحيان الكلمات التي تعبر تعبيراً مباشراً، أو جليّاً عمّا أريد الإفضاء به الكلمات التي تحمل التأثير وتنقله.. هذا ما نسمّيه بأزمة التعبير)) (?) .

ويكون سبب الغموض في بعض الأحيان عند الكاتب الهارب من سلطة الوضوح “ استراتيجية كتابيّة ” يهدف الكاتب من خلالها إلى أن ((يعطينا جرعة أكبر من التنبيه، والالتفات، واليقظة، وحدّة الشعور بأغراضه)) (?) .

أي أن الغموض إنما كان مطلباً للوضوح بمعناه “ الجمالي ” حين يكون الكلام فصيحاً في التعبير عن المشاعر والأفكار، وهذا أمر استوقف البلاغيين والنقاد العرب في فلسفتهم الجمالية للغموض حيث جعلوه مع الوضوح وجهين لعملة واحدة، لا يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر.

الكاتب إذن يعيش مشكلة في كلا الحالتين عندما يكون أكثر أو أقلّ ذكاءً من قرّائه، فهو في “ أزمة تعبير ” خانقة، إما نتيجة لعبقريته ورؤيته الاستشرافية، أو بسبب انسياقه وراء “ عقلية القطيع ” التي أدمنت الاسترخاء الذهني، والكسل العقلي، والوقوف عند ظواهر الجمال.

رسالة الأدب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015