وحين يعرض حمزة شحاتة “ لجماليات التلقي ” يصوّر الواقع الثقافي تصويراً مؤلماً فتنقلب فيه نظرية الاتصال رأساً على عقب يصبح فيه الطالب مطلوباً، والمطلوب طالباً ((من الحقائق المحزنة أنّ حاجة الكاتب إلى قرّاء أكثر من حاجة القرّاء إلى كاتب، ولا يبدو أنّ هناك أملاً في أن يتغير وضع هذه العلاقة في بلادنا)) (?) .

هذه المعادلة المقلوبة تثير إشكالية متجددة هي العلاقة بين الكاتب والجمهور، الكاتب الذي يطمح إلى الارتقاء بوعي المتلقي، والمتلقي الذي يستعبده الإلف، وتقيّده الأعراف، وحمزة شحاتة لا يتوقف عند هذه الإشكاليّة فيتخطاها إلى البحث في “ سيكلوجيّة الجمهور ” وسيكلوجية الكاتب ((الجماهير من الوجهة النفسيّة والعاطفية والعقلية أيضاً كالأطفال في حُبّ عناصر الإثارة والتغيير، والانفعال بمظاهر البطولة والانتصار، وارتقابها بحماس، وفي فقدان القدرة على تمييز المعقول، واللامعقول، والممكن والمتعذر)) (?) .

هناك أفق توقع لدى الجماهير ترسخ في الذهن، أملته ثقافة العادة، هذا الأفق مبنيٌّ على “ وعي طفولي ” مولع بالإثارة والتغيير أيّاً كان، ولهذا تغيب فيه صفة “ الغربلة ” و “ التمييز ”، ويختلط الجيد بالرديء والمعقول باللاّمعقول. فحمزة شحاتة يبحث عن “ متلقٍ حاذق ” يعي شرائط الجمال، ويتعاطاه من جهته، فيتأثر به، ويضفي عليه دلالات جديدة. والجمال الأدبي بحاجة إلى هذا المتلقي الذي يتعاطف مع النص، ويستغرق فيه، ليكتشف خصوصيّته، ويمنحه حضوره؛ لأن المتلقي الحاذق يحيي النَّص ويغنيه عندما يضفي عليه دلالات ربّما لو سئل المبدع عنها لم يجد جواباً، وقد عنيت المناهج النقدّية بهذه القضيّة حتى نشأ في النقد الحديث اتجاه نقدي يعرف “ بجماليّة التلقي ” يبحث في النَّص من جهة متلقيه الذي يعدّ بمثابة الركيزة الأساسيّة في هذا المنهج.

الغموض:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015