فالقسيم الأول كالبيت الأول من قول النابغة، والقسيم الثاني كالبيت الثاني، لكنه أطبع منه وأوجز، وقول النابغة: كالليل، فيه من حسن التشبيه ما ليس في قول الديلي (?) ، إلا أنه يسمج مثل هذا التشبيه في النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نور وهدى، فلا يشبه بالليل، وإنما حسن في قول النابغة أن يقول كالليل، ولم يقل كالصبح، لأن الليل ترهب غوائله، ويحذر من إدراكه ما لا يحذر من النهار" (?) ، هنا يظهر تفريق السهيلي بين ما يجوز في حق الملوك من الوصف، ولا يجوز بحق الأنبياء، وكأنه يشير هنا إلى ضرورة مراعاة مقتضى الحال، فما يصلح ويحسن بممدوح ما، قد لا يحسن بغيره، وهذا من القواعد المنهجية للبلاغة العربية، وهو ما ينبغي للشاعر أن يتنبه إليه في الأخذ من غيره.
ويضيف السهيلي موضحا أخذ بعض شعراء الأندلس لمعنى أنس بن زنيم، فيقول: "وقد أخذ بعض الأندلسيين في هذا المعنى، فقال في هربه من ابن عباد:
كأن بلاد الله وهي عريضة ... تشد بأقصاها عليّ الأناملا
فأين مفر المرء عنك بنفسه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا" (?)
ويبين السهيلي مصدر التشبيه في قول النابغة: فإنك كالليل الذي هو مدركي… فيقول: "وهذا كله معنى منتزع من القدماء، روى الطبري: أن منو شهر بن إيرج ... قال حين عقد التاج على رأسه في خطبة له طويلة: أيها الناس: إن الخلق للخالق، وإن الشكر للمنعم، وإن التسليم للقادر، وإنه لا أضعف من مخلوق طالبا أو مطلوبا، ولا أقوى من طالب طلبته في يده، ولا أعجز من مطلوب هو في يد طالبه" (?) .
وذكر السهيلي قول الطائي: (?)
ظبي تقنصته لما نصبت له ... ... من آخر الليل أشراكا من الحلم
ثم انثنى وبنا من ذكره سقم ... ... باق وإن كان معسولا من السقم