قال النووي: فإن قلت لابُدّ للإنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه فالجواب ما أجاب به الغزالي من أن الذم إنَّما هو لمن خاصم بباطل أو بغير علم كوكيل القاضي فإنه يتوكل قبل أن يعرف الحق في أي جانب، ويدخل في الذم من يطلب حقاً لكن لايقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد والكذب لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه وكسره، ومثله من يخلط الخصومة بكلمات تؤذي وليس إليها ضرورة في التوصل إلى غرضه، فهذا هو المذموم، بخلاف المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف وزيادة في الحجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا إيذاء ففعله هذا ليس مذموماً ولا حراماً لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا.
وعلل ذلك بأن ضبط اللسان على حد الاعتدال متعذر، والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وينتج عن ذلك الحقد بينهما والطعن في العرض وانشغال المرء حتى في صلاته بالمخاصمة فلايبقى حاله على استقامة، والخصومة مبدأ الشر، فينبغي التحرز منها إلاَّ لضرورة (?) .
ثانياً: قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم -: ((أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) متفق عليه (?)
ووجه الاستدلال من الحديث: أن من توكل في باطل أو قصد الإضرار بخصمه فهو لايخلو من خصلتين من هذه الخصال أن يكذب في حديثه، وأن يفجر في خصومته، وهذا من أعظم الضرر بالمسلمين.