ويجاب عن هذا: بأنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين "، كما عرفت من حديث أبي قتادة، وحديث جابر ابن عبد الله. (204)
فهذا يدل على أنه ينبغي لمن يدخل المسجد والإمام يخطب أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين. (205) وهو القول الأول.
ويجاب عن هذا: بأن ذلك ما فيه دليل على ما ذكرتم، إنما هذا على من دخل المسجد في حال يحل فيها الصلاة، ليس على من دخل المسجد في حالٍ لا يحل فيها الصلاة. ألا ترى: أن من دخل المسجد عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في وقت من هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أنه لا ينبغي له أن يصلي، وأنه ليس ممن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين لدخوله المسجد؛ لأنه قد نُهي عن الصلاة حينئذٍ. (206) فكذلك الذي دخل المسجد والإمام يخطب ليس له أن يصلي، وليس ممن أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وإنما دخل في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرت، كل من لو كان في المسجد قبل ذلك، فآثر أن يصلي كان له ذلك. فأما من لو كان في المسجد قبل ذلك لم يكن له أن يصلي حينذٍ، فليس بداخل في ذلك، وليس له أن يصلي قياساً على ما ذكرنا من حكم الأوقات المنهي عن الصلاة فيها التي وصفنا. (207)
على أن ابن العربي تأوّل الرواية الخامسة لحديث جابر (حديث سُليك) : بأنه كان فقيراً ودخل يطلب شيئاً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة ليتفطن الناس له فيتصدّقوا عليه. (208) على أنه لم يصحبه عمل فهو منسوخ. (209)
ويجاب عن كل ما تقدم: بأن حديث جابر (سُليك الغطفاني) دليل القول الأول أصح شيء في هذا الباب؛ قال الترمذي: ((وهذا حديث حسن صحيح، أصح شيء في هذا الباب)) . (210) وقال ابن العربي: ((هذا حديث متفق عليه)) . (211) فهو حديث صريح واضح لا يحتاج إلى التأويل.
ب مناقشة دليلهم الثاني حديث أبي سعيد الخدري.