ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى اللَّه ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلاَّ برضاه وقربه والأنس به، فيه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف، فذكره قوته، وغذاؤه، ومحبته، والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه داؤه، والرجوع إليه دواؤه، فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى اللَّه تعالى أبداً، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له، وعبادته وحده، فهو دائماً يضرب على صاحبه، حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذٍ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلاَّ نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة.

قال بعض العارفين: " مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها؛ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة اللَّه والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته ...

إلى أن قال: ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره؛ إلاَّ بمن يدله عليه، ويذكره به، ويذاكره بهذا الأمر.

ومن علامات صحته: أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.

ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقرت عينه وسرور قلبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015