(أصل كل خير وسعادة للعبد، بل لكل حي ناطق: كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة الخير كله، قال اللَّه تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ((?) فجمع بين الأصلين: الحياة، والنور، فبالحياة تكون قوته، وسمعه وبصره، وحياؤه وعفته، وشجاعته وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة، ومحبته للحسن، وبغضه للقبيح. فكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات، وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات؛ وحياؤه من القبائح هو بحسب حياته في نفسه، فالقلب الصحيح الحي إذا عُرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه، وأبغضها، ولم يلتفت إليها؛ بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه: " هلك من لم يكنْ له قلبٌ يعرفُ به المعروف وينكر به المنكر" (?)) (?) .
وذكر ابن القيم رحمه اللَّه علامات كثيرة لصحة القلب، فقال: (ومن علامات صحته أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحل فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريباً يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه ...
وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.