ووصف ((الاستهلاك)) ب ((عشوائي)) أي أن المستهلكين ومعهم الدولة لا يذهبون إلى تنظيمه وحصره في نطاق محدود.
وهذا يعني أن الوصف ب ((عشوائي)) دلّ هذه الدلالة التي لا نعرفها إلا في هذه العربية المعاصرة.
ولابد لنا أن نبسط القول على هذا الوصف، وكيف اهتدى له المعاصرون فنقول: إن ((عشواء)) وصف مؤنث، والمذكر ((أعشى)) ودلالة ((أعشى وعشواء)) معروفة، وهو الإبصار أو ضعفه، وهو ((العشا)) بالقصر. وقد وردت الصفة ((عشواء)) في بيت زهير بن أبي سلمى:
رأيتُ المنايا خبط عشواء من تُصبْ تُمتْه ومن تُخطِئ يُعَمَّر فيَهرمِ
أقول:و ((عشواء)) هذه تشبث المعاصرون فاستعاروها وصرفوها على التوسع إلى ما أرادوا لإدراكهم أن ((العشواء)) تخبط على غير هدى.
وقرأت:
((جهود مكثّفة لتقييم نتائج الاستفتاء)) .
أقول: ((الجهود المكثّفة)) هي الجهود الحثيثة المحصورة في أمر ما، وهذه الصفة ((مكثّفة)) قد تُوسِّع في معناها، والأصل أن الشيء الكثيف هو الثخين في الجِرم والوزن ومنه جاء المصطلح العلمي ((كثافة)) وهو معروف في علوم الطبيعة وغيرها.
وهذه الاستعارة أو قل هذا التوسع في الدلالة جديد اقتضته حاجة أهل العربية إليه ثم إن ((التقييم)) معناه تعيين قيمة الشيء، وهذا المصدر للفعل ((قيَّم)) جديد، وقد أخذ الفعل والمصدر من الاسم ((قيمة)) ، وتوهّم الآخذون أن الياء في ((قيمة)) حرف أصلي فأثبتوه في الفعل والمصدر.
وحقيقة اللفظ أن ((قيمة)) وزان ((فِعلة)) من الفعل ((قام يقوم)) ، والياء فيها من الواو، ولذلك حين احتاج المعربون في القرون التي خلت إلى حساب القيمة وضبطها جعلوا الفعل مزيداً وأثبتوا الواو فقالوا: قوَّم السلعة، أي أعطاها قيمتها وسعرها.