وانبنى على هذا التغير الفيزيائي تغيرٌّ في مفهوم علم الأحياء للحياة في القرن العشرين، فقد كانت النظرية الآلية ترى أن الحياة نتيجة عرضية لعمليات مادية، وأن العقل نشاط متولد من الدماغ. واجتمع أخيراً أدلة تقول: إن أسلوب الكائن الحي ليس آلياً ولا يمكن تفسيره آلياً، فالحياة ظاهرة من صفتها التجدد والإبداع، واستحداث صور جديدة في الكائنات، ومنها ظهرت نظريات التطور المبدع، والتطور الناشيء، ونظرية الكائن الحي، والنظرية العضوية ( [169] ) .
إن الماء يتكون من الأوكسجين والهيدروجين بنسبة معينة، لكن في الماء خصائص ليست هي خصائص كل من الأوكسجين والهيدروجين. وكذلك جسم الإنسان فهو دماغ ولحم وعظام وأعصاب، ولكل منها خاصية معينة لكن له من اجتماع هذه الأجزاء خصائص ليست موجودة في تلك الأجزاء ( [170] ) .
وبناءً على هذا فلم يعد كل مادي حقيقياً، وأصبح المعنوي كالدين، وقيم الحق والخير والجمال مما صح ثبوته، وعدّ باباً من أبواب الحقيقة، وبهذا تقوّض الأساس العلمي لعلم النفس، فالإنسان لم يعد شبيهاً بالآلة لا دخل للعقل في سلوكياته، فله عقل، وله غاية يسعى إلى تحقيقها، ومطالب يهدف إلى بلوغها هي أسمى من مطالب الجنس والغذاء والكساء. فلم يعد التفسير الآلي أو الحيواني للسلوك الإنساني واعياً بأبعاد الإنسان، إن الإنسان يستجيب للمنبه، كما تستجيب الآلة، لكنه لا يعمل كما تعمل، فاستجابتها آلية أما استجابته فهي استجابة فعالة ونشيطة. فهو يدرك الموقف الخارجي، ولذلك فاستجابته لا تعتمد على قوة ذلك المنبه بقدر ما تعتمد على الدافع النزوعي الذي لديه، وهو مؤثر بالغ في الاستجابة، وهذه الاستجابة موجهة إلى غاية يمكن استمرارها بعد زوال المثير بخلاف الآلة.