فالحتمية العلمية ثمرة من ثمار “ المادية ” التي كانت تشكل عصب الفكر الغربي في القرن التاسع عشر في الفيزياء والفسيولوجيا والفلسفة الوضعيّة.
المادية هي التي تفسر لنا حتمية العلاقة بين النص ومحيطه الخارجي، وتربط بين الواقع والإبداع، فالإبداع انعكاس لعلاقات الإنتاج، ونتيجة حتمية للبيئة والمناخ والعرق ( [36] ) .
وهي التي تكشف لنا منهج السلوكية، والتحليل النفسي لدراسة النفس الإنسانية، فالحقيقة كل ما هو مادي يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولأن العقل لا يمكن إدراكه بإحدى الحواس قامت السلوكية بدراسة السلوك متخذة من نظرية الفعل المنعكس الشرطي سنداً لها. وذهبت مدرسة التحليل النفسي إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة. فالشخصية مثل كتلة الجليد العائمة لا يعلو منها إلا أقلها أما معظمها فهو مغمور بالماء ( [37] ) .
وجاءت فيزياء القرن العشرين لتنقض هذه المسلمات التي قامت في ظلالها تلك المناهج فتحطمت فيزياء نيوتن على يدي إنشتاين ونظريته في النسبية التي أثبتت أن علاقات المكان والزمان وقوانين الحركة لا تُعرف إلا بالمواقف الشخصية للمراقب، وليس بالحياد كما أقر نيوتن. وبناءً على هذا اكتشف الغربيون أن الميكانزم الآلي لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرّس لخدمة البشر يُنظر من خلاله إلى الإنسان على أنه حيوان أو آلة صماء، فهو قوّة واعية يجرّب ويقرّر ويتصرّف ( [38] ) .
وجاءت الشكلانية والبنيويّة كنتيجة من نتائج العلم التجريبي الذي لا يرى للذات دوراً في معرفة العالم، لأنه لا يمكن إخضاعها لمبادئ القياس التجريبي فكان محتوى اللغة هو اللغة؛ لأن اللغة يمكن إخضاعها وقياسها بالمعايير التجريبية ( [39] ) . وهذا يفسر لنا الاهتمام بالنص الأدبي عند هؤلاء.