* هذه المناهج النقديّة التي استنسخها النقد العربي الحديث نتاج خصوصيّة ثقافية، وتحوّلات فكرية واجتماعية مغايرة، ولهذا لا يمكن تجريدها من خصوصيتها الثقافية وحمولاتها الفكريّة، فهي ((بوصفها نظريات أو مقاربات أو أدوات بحثية تحليلية للأدب تحمل مضامين ثقافية تجعلها متلائمة مع بيئتها الحضارية الغربية، وأن الناقد غير الغربي، ونقصد به هنا الناقد الذي يحمل ثقافة عربية إسلامية مضطر إن هو أراد تطبيق أيٍّ من تلك المناهج على أدب أنتجته تلك الثقافة العربية إلى سلوك أحد سبيلين:
1 - أن يطبق تلك المناهج كما هي، وبالتالي يتبنى سواءً أراد أم لم يرد المضامين والتوجهات الفكرية التي شكلت تلك المناهج، ومثل ذلك التطبيق سيؤدي في الأغلب إلى إساءة فهم المادة الأدبية موضوع التحليل النقدي.
2 - أن يُحدث تغييراً جوهرياً في المنهج الغربي الذي يطبّقه إلى حد يجعل من الصعب القول بأن المنهج المطبق هو المنهج الأصلي ذاته.
أما القول بإمكانية فصل المنهج عن سياقه دون إحداث أية تغييرات، أو بعد إدخال تعديلات طفيفة، فهو نوع من الوهم الذي سرعان ما يتكشف تحت محك التحليل التاريخي للخلفية الثقافية الفلسفية التي تحملها تلك المناهج)) ( [33] ) .
لكننا نجد عدداً من النقاد العرب يرفض هذا التصوّر، ويرى إمكانية الفصل بين المنهج النقدي ومضمونه الفلسفي، فعبد الله العروي مثلاً يقول:
((يمكن أن ترفض التاريخانية أو البنيويّة كفلسفة، وتوظف كمنهج للتحليل في حدود معيّنة)) ( [34] ) ويذهب أبو ديب إلى أن البينوية ليست فلسفة ((لكنها طريقة في الرؤية والمنهج ومعاينة الوجود)) ( [35] ) .
وهذا المنطق التبريري لا يثبت أمام البحث العلمي وقبل ذلك أمام صيرورة الأفكار، وطبيعة الأشياء، فالمناهج النقدية لا يمكن أن تنشأ من فراغ، وما تحولات الخطاب النقدي الغربي إلا نتيجة لكشوفات العلوم التجريبية، وتراكمات البنية الثقافيّة.