وفى تلك الأثناء التي سيطرت فيها الثقافة الإسلامية على الحجاز والسودان على حداً سواء وتميزت بالارتباط الثقافي الوثيق بينهما، وتأثر السودان الثقافي بما يحدث بشبه جزيرة العرب وخاصة الحجاز، قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى نجد بقلب شبه جزيرة العرب وتوطدت دعائمها طوال النصف الثاني من القرن 18م، فى الحجاز والمناطق المواجهة لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن 19م، وباعتبار أن السودان كيان إسلامي قريب الصلة والتأثر بما يحدث فى الحجاز وشبه جزيرة العرب عموماً فكان طبيعياً أن تظهر فيه أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، فلم يكن هناك ما يمنع انتشار أفكار ومبادئ الدعوة إلى تلك المناطق البعيدة وقتذاك عن الحكومات المركزية والمرتبطة ثقافياً بما يحدث فى الحجاز، وقد كان طبيعياً أن يستغل أنصار دعوة الشيخ مواسم الحج وتوافد الحجيج على الحرمين ومنهم بلا شك حجاج السودان الذين كانوا ينقلون بسهولة مباشرة من موانئ السودان الشرقي إلى الحجاز ليوضحوا حقيقة دعوتهم والدعوة لأفكارهم ومبادئهم بين فئات الحجيج.

ومن هنا بدأت الدعوة السلفية في الانتشار إلى السودان،واستطاعت أن تنفذ فيه أيضاً بفضل بعض رجال مصلحين، وتحول الإسلام بفضلهم إلى دعوات إيجابية تميزت بتأثرها بما يجرى على الساحة الإسلامية من دعوات للإصلاح، وقد كان لهؤلاء الفضل الأكبر فى تقبل كثير من السودان لأفكار ومبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية (التي يتفق الباحثون على أنها لقيت استجابة سريعة فى القارة الأفريقية وقتذاك) تحت ستار إصلاحي ملتزم بالكتاب والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015