فقد كان طبيعياً أن يرنو السلاطين دولة الفونج بأبصارهم إلى الحجاز وتوثيق علاقتهم به فبالإضافة إلى شرف الانتماء إلى آل البيت، فإن الحج إلى البيت الحرام كان أملاً يراود الملوك والعلماء والتجار والعامة وأيضاً التجارة وسهولة الاتصال مباشرة بالحجاز من سواكن عبر البحر الأحمر ( [62] ) ، كل هذا بلا شك أسهم في التشجيع على قيام علاقات ثقافية بين السودان والحجاز، وأثر مباشرة في انتقال الثقافة الحجازية إلى السودان بفضل بعض السودانيين الذين خرجوا من بلادهم إلى الحجاز يطلبون العلم، وأيضاً بعض المشايخ الذين وفدوا إلى السودان من الحجاز لنشر أفكارهم ومبادئهم.
ومن العلماء الذين تذكروهم الراويات والذين حضروا من الحجاز إلى السودان السيد " أحمد البيلي " الذي ولد فى مكة ودرس بالحرم المكي، ثم هاجر للسودان عن طريق جدة، وعبر البحر الأحمر عن طريق سواكن إلى أن نزل بمدينة " شندي " حوالي 932هـ /1526م ثم سار إلى " مروى " حتى أستقر فى " تنقاس " ( [63] ) ، وتزوج هناك ويقال أنه نال تكريماً من الملوك ( [64] ) .
ومن العلماء أيضاً الذين وفدوا إلى السودان من المدينة المنورة الشيخ عيسى بن بشارة الأنصاري، والذي أسس مدرسة للتعليم بقرية " كترانج " التي تقع على الضفة اليمني للنيل الأزرق على بعد 36 ميلاً جنوب الخرطوم، وقد أقبل الناس على الشيخ عيسى وأبناءه وأحفاده يتلقون عليهم العلم، وكان الشيخ عيسى بارعاً فى المذهبين المالكي والشافعي ونابغة فى العلوم المعقولة والمنقولة ( [65] ) .
ويذخر طبقات " ود ضيف الله " ( [66] ) بالعديد من العلماء السودانيين الذين ذهبوا إلى الحجاز سواء للحج أو للمجاورة والدراسة والتعليم، وكذلك من حضر من العلماء والشيوخ إلى السودان لنشر الدعوة الإسلامية والثقافة الدينية.