وبسقوط دولة المغيرة في " دنقلة " وسيطرة القبائل العربية علي شمال السودان، انفتح الباب علي مصراعيه لتلك القبائل فتدفقت جنوباً، وأخذوا يكونون بيئاتهم القبلية ومجتمعاتهم ويتجمعون ويتوحدون، ودولة علوه تنتظر مصيرها المحتوم، وجاءت الخطوة الأخيرة في مستهل القرن السادس عشر الميلادي حين تحالف العرب المهاجرون من الشرق والشمال مع الفونج ( [39] ) القادمين من الجنوب أو الغرب وقضوا علي دولة " علوة نهائياً، انتهت بذلك ممالك السودان المسيحية، وأعلن رسمياً سيطرة الدين الإسلامي بقيام دولة الفونج الإسلامية والقبائل العربية المتحالفة معها في شمال وشرق ووسط السودان في عام 1504م ( [40] ) .
والحقيقة أن رواد الثقافة الإسلامية في السودان قبل قيام دولة الفونج كان معظمهم من التجار والبدو – وهم ممن تنقصهم المعرفة الدقيقة بالفقه الإسلامي ( [41] ) – والذين اهتموا بنشر الدعوة الإسلامية وكسب المسيحيين والوثنيين مركزين علي المبادئ العامة دون التفاصيل. ورغم مشاركة بعض العلماء لهاتين الفئتين إلا أن جهودهم ظلت محدودة، فيروي أن أول من أشتهر من هؤلاء العلماء هو الشيخ " غلام الدين بن عابد اليمني " ( [42] ) في دنقلة، وأيضاً أولاد عون السبعة ( [43] ) ، الذين ظهروا في نواحي " أبو حليمة " على النيل الأزرق وتولي أحدهم منصب القضاء.
وقد شهد القرن السادس عشر الميلادي الانتشار الكبير للطرق الدينية والذي يرجع في الأصل إلي ضعف الحركة العلمية، وضعف الفقهاء وجمود معاهد العلم والتعليم واقتصارها علي الطريقة التقليدية التي تقوم علي الحفظ والتكرار، فضلاً عن أن خمول الحكومة الإسلامية في القرون الأربعة الماضية أوجد لدى الناس فراغاً كان لابد من ملئه، وكان لابد أيضاً للناس أن يجتمعوا حول شئ ما.
ويرتبطون به ويوثقون هذا الارتباط وإلا ازداد أمرهم سوءاً مما أدى إلي زيادة الإقبال علي هذه الطرق.