قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أن القيام بالاحتساب الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعين على فئات من المجتمع دون أخرى، وهذا فهم لاشك بأنه قاصر. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فريضة لا تسقط إلا بالأداء، والمسلم مطلوب منه أن يقوم بهذا الواجب على حسب علمه وقدرته وفي شأن هذا الوجوب يقول الحق تبارك وتعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (49) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (50) والوجوب في هذين النصين هو وجوب عيني لا كفائي ولا يسقط إلا بالأداء لأن (من) في النصين السابقين هي للبيان وليست للتبعيض كما يقول أهل اللغة (51) .

وعلى هذا فالوجوب في حق القائد جاء من جهتين الأولى كونه مسلماً، والثانية كونه مسئولاً، فأصبح بالثانية محتسباً مكلفاً يترتب عليه من الوجوب ما لا يترتب على المحتسب المتطوع.

فإذا علم هذا فإن الأمر يحتاج إلى أن نزود القائد القدوة المحتسب بشيء من فقه الحسبة، حتى يكون أداءه مميزاً وعمله منضبطاً بضوابط الشرع. وما سنثبته هنا تعريف الحسبة والمحتسب حتى نُكون مفهوماً وإطاراً عاماً لهذا العمل ومن يقوم به، ثم نحاول أن نبين طرفاً من أهمية الحسبة وبعدها. نتعرف على الشروط الواجب توفرها في المحتسب وكذا الآداب ومن ثم نحدد شروط إنكار المنكر، وخطوات إنكار المنكر، ومراتب تغيير المنكر، وآخر ذلك نتلمس ضوابط إنكار المنكر بالقلب، محاولين أن تكون كل هذه في نقاط مختصرة وعلى من أراد التوسع في ذلك العودة لكتاب الحسبة في الماضي والحاضر بين ثبات الأهداف وتطور الأسلوب) المجلد الأول للباحث، وهذا استعراض موجز لتلك الأحكام في الكتاب نفسه:

أولاً: تعريف الحسبة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015