فالطفل أو الفتى مدفوع برغبة خفية لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به في لهجة الحديث، أو أسلوب الحركة، أو المعاملة، وهذا التقليد قد يكون في حسنات السلوك وقد يكون في سيئاته، وقد تلاحظ في بعض المرؤسين مع قائدهم شيء من هذا فتجد المقتدي (المقلد) يقلد رئيسه وقائده في بعض الحركات حتى في طريقة ونبرة الصوت وحركة الشفائف، وهذا لاحظناه في أوساط قواتنا المسلحة ممن يعجبوت ببعض قادتهم ويتأثرون بهم.
(2) الاستعداد للتقليد:
لكل مرحلة من العمر استعدادات وطاقات محددة وعلى هذا نجد الإسلام لم يأمر الأطفال بالصلاة قبل سبع سنوات، ولا يمنع ذلك من ترك الطفل يقلد أبويه بحركات الصلاة قبل أن يبلغ السابعة ومن الظروف التي تهيب بالناس جميعاً استعداداً لتقليد الأزمات والكوارث والآلام الاجتماعية التي يتحول معها القائد ليكون أباً وبطلاً يحاكيه كل مرؤسيه في كل سلوك من حياته ومن تلك الأسباب أيضاً الشعور بالضعف أمام القوة فالمغلوب يقلد الغالب. كما يقول ابن خلدون في مقدمته (المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه) (10) .
(3) الهدف:
إن لكل تقليد هدفاً وقد يكون هذا الهدف معروفاً لدى المقلد وقد لا يكون معروفاً، فعدم وضوح الهدف أو معرفته تكون لمجرد المحاكاة والتقليد فقط، وأما وضوحه فقد يرتقي معه وعي التقليد لدى المقلد حتى يصبح عملية فكرية يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز وعندها يرتقي بهذا التقليد إلى مفهوم راق في الإسلام، يطلق عليه (الاتباع) وأرقى هذا الاتباع ما كان على بصيرة (11) ، يقول الحق تبارك وتعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (12) .