فكرر (فيك ما في …) هذا التكرار الذي عمق إحساس الشاعر بأهمية الشعر ودوره في الحياة العامة، ولهذا فقد جاء التكرار بشكل رأسي متوال ليحدث نغمة إيقاعية وموسيقية في كل بيت، ومثل هذا التكرار المتساوي في نسقه يجعل الأبيات تكون وحدة بنائية متكاملة تشكلت من تكرار البداية المتساوي المتوحد إضافة إلى إيقاعية حرف الجر (من) في كل بيت شعري وما أعقبه بتراتب علاماتي يقوم على تنوين الكسر (من بكاء، من وجوم، من ظلام …) هذا الإيقاع التراتيبي الشديد الذي يعكس حرص الشاعر على استحضار كل ما في ذهنه من الصور والمعاني التي تساعده على التماهي أو التوحد مع الشعر، فجعل لتنوين الكسر صدى في عجز الأبيات (ومن صباح، ضاحكات، وسراب…) ليحصل على دوائر إيقاعية متكاملة قوية ظهرت واضحة في الأبيات إلا في البيت الأخير الذي بدأ بحرف الجر (فيك) ليشكل خاتمة ونهاية لإيقاعاته الموسيقية كي يبدأ من جديد في القصيدة ففيها بداية أخرى بنسق متشابه متماثل في خمسة أبيات يقول:
فيك ما في الوجود من خلل داج
فيك ما في الوجود من نغم
وما فيه من ضياء بعيد
حلو وما فيه من ضجيج شديد
فكرر البداية القوية (فيك ما في الوجود) مع حرف الجر (من) معتمداً على إيقاع علاماتي شديد (تنوين الكسر) . كما اعتمد على حرف الجر (في) على استكناه دواخله عبر إيقاع علاماتي خفيف سهل يتناسب والموضوع الشعري الذي تحدث عنه وهو (القلب) بشكل عام وقلب الأم بشكل خاص فهو رمز الحنان والعطف والتوحد، هذا هو مصدر أوجاعه وآلامه وأوجاع الأمة كلها لأن صلاح الجسم مرهون بصلاح القلب، لذلك نراه لم يدع صورة من عالم الطبيعة إلا قد وظفها في نصه الشعري وجسّد فيها الإحساس المرهف الرقيق الذي ينطوي تحت الضلوع بنغمة حزينة يقول من قصيدته قلب الأم:
في رنة المزمار في لغو الطيور الشادية
في ضجة البحر المجلجل في هدير العاصفة
في نغية الحمل الوديع وفي أناشيد الرعاة