فكرر أسلوب النداء (يا شعر) واتخذه بداية وفاتحة لانطلاقته ليجعل مع كل بداية صورة مستقلة تكشف عن هم الشاعر نحو مفهوم الشعر وأبعاده وما أصابه من غربة في عالم لا يفهم معناه، فيعزز من قيمته ويعلي من شأنه، فلم يبق له سوى الشعر يبوح له بأسراره وهمومه وآلامه، فيسكن وجدانه، لذلك فقد جسّد كل هذا في تتابع الصفات التي وقعت بعد اسلوب النداء (فم الشعور وصرخة الروح، صدى نحيب القلب، مدامع، دم تفجر…) . ولإدراكه بأن هذا الشعر يعاني كما يعاني فهو كمعادل موضوعي للشاعر. ثم نراه يعود إلى هذه البداية الأسلوبية مرة أخرى فيكرر هذه البداية سبع مرات متوالية، ليعلن صرخته ودعوته الأكيدة لإنقاذ الشعر الذي أصابه ما أصاب الشاعر من غربة فكرية وروحية فيحاول أن يعطيه بعداً ومفهوماً أوسع وأشمل فيجعله وسيلة محاكاة للنفس البشرية ووسيلة للتعبير عن خيال الشاعر فلم تعد رسالة الشاعر ألفاظاً منمقة وعبارات مرصعة وكلام مرصوص (1) وكأنه بذلك يثور ويتهكم على القصيدة العربية الكلاسيكية، لذلك نراه يلح على اتخاذ هذا الأسلوب دون غيره لأنه – كما يعتقد – الأقدر على إثراء تجربته ومنحها أبعاداً تستطيع أن تخلق جواً من التفاعل بين المبدع والمتلقي مما أدى ببعض الباحثين إلى تعريف الأسلوب على أنه اختيار يقوم به المنشئى لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معين ويدل هذا الاختيار أو الانتقاء على إيثار المنشء لسمات لغويةعلى سمات أخرى بديلة (2) ، إضافة إلى ذلك يمكن أن يفسر هذا التكرار في أسلوب النداء عند الشاعر بتداعي المعاني للصور المرئية في ذهن الشاعر (3) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015