ولازال الأمل قوياً لدى الشاعر فهو مصمم على البحث والسعي لإيجاد مجتمع مثالي مميز فإن ذهب ربيع سوف يأتي ربيع. كما عمل على الربط بين اللازمة الثالثة والرباعيتين اللتين جاءت بعدها بحرف العين أيضاً بكلمتي (البقاع – الوداع) ليستمر تجسيد الوعي بهذا الإحساس القوي وليؤكد على تصميمه وعزمه على توديع الأشجان والهموم وذلك عبر سكون الجراح وسكوت الشجون فيقول:
اسكني يا جراح
مات عهد النواح
وأطلّ الصباح
واسكتي يا شجون
وزمان الجنون
من وراء القرون
ثم يربط بين الرباعيتين بعد هذه اللازمة بوحدة شعورية منسقة ومتناسقة مع معاني اللازمة فربط بينهما بحرف العين:
لم يعد لي بقاء فوق هذي البقاع
ثم في الرباعية الثانية:
ونشرت القلاع فالوداع الوداع
وهذا التوحد بين هذه الرباعيات يشبع نفسه ويرضي إحساسه ويوحي بقوة تلك الأحاسيس التي يتابع موجها في روحه المعذبة المترددة بين الشك واليقين وبين الحياة والموت (1) .
تكرار البداية:
ويشكل هذا النوع من التكرار مساحة أكبر مما شكلته أنواع التكرار الأخرى، ويبدو أن ذلك يعود إلى نفسية الشابي المضطربة المتوترة التي تعتقد أن تكرار البداية، هي البداية القوية المكثفة للانطلاق والتحرر والقوة والتمرد وهي صرخته القوية أمام الجهل والتخلف والفساد، وبذلك تكون أكثر فاعلية خصوصاً إذا عرفنا أن تكرار البداية قد تكثفت عند الشاعر بشكل رأسي يعمق صرخاته وآهاته ويرددها ليسمع الآخرون صداها وأوجاعها عبر إيقاعات موسيقية متوالية وبناءات لغوية مختلفة تراوحت بين الكلمة والعبارة التي يحتويها صدر البيت الشعري لا تتجاوزه فهي غير ممتدة عبر النص الشعري حتى لا تستنفد طاقاته الشعرية وآهاته النفسية، فكلما امتدت داخل السطر الشعري كلما فقدت من بهرجها وفاعليتها.